النحاس على صفيح ساخن: هل تُشعل واشنطن حرب الرسوم لحماية المعدن الاستراتيجي؟

في خضم التحولات العالمية نحو الطاقة النظيفة والذكاء الاصطناعي، صعد نجم النحاس ليصبح عنصرًا لا غنى عنه في المشهد الاقتصادي الحديث.
هذا المعدن، الذي كان يومًا مجرد مكوّن صناعي، بات اليوم العمود الفقري للسيارات الكهربائية، وشبكات الطاقة المتجددة، وحتى مراكز البيانات التي تغذي الذكاء الاصطناعي.
لكن النحاس يواجه اليوم معركة جديدة على الأراضي الأمريكية، ليس في الأسواق، بل في مكاتب السياسات الاقتصادية للبيت الأبيض.
يرى “فيل فلين”، كبير محللي السوق في مجموعة “برايس فيوتشرز”، أن أهمية النحاس تفوق اليوم أهمية النفط للاقتصاد الأمريكي، واصفًا إياه بأنه “السلعة الأكثر رواجًا عالميًا”. هذه النظرة دفعت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إطلاق مسعى جاد لتوطين صناعة النحاس، معتبرًا وارداته تهديدًا محتملاً للأمن القومي.
الإدارة الأمريكية تدرس بالفعل فرض رسوم جمركية مرتفعة على واردات النحاس، أو تقديم حوافز لتشجيع الإنتاج المحلي، وذلك في خطوة تعكس نية جادة لإعادة رسم خارطة التوريد.
رغم أن أمام وزارة التجارة الأمريكية مهلة تمتد لـ270 يومًا لإعداد تقرير شامل حول الوضع، إلا أن وكالة “بلومبرج” رجحت أن يتم اتخاذ القرار بشأن الرسوم الجمركية في غضون أسابيع، ما أثار دهشة بعض المحللين.
واردات أمريكا من النحاس في 2024
الدولة |
الواردات (ألف طن) |
تشيلي |
658.30 |
كندا |
389.98 |
المكسيك |
92.26 |
بيرو |
65.93 |
الكونغو الديمقراطية |
31.59 |
الدول الأخرى |
40.82 |
“جون كاروسو”، كبير استراتيجيي السوق لدى شركة “آر جي أو فيوتشرز”، أعرب عن استغرابه من وتيرة التحرك السريعة، متوقعًا تحقيقًا مطولًا قد يؤدي إلى فرض الرسوم في الربع الثالث أو الرابع من هذا العام.
النحاس ليس مجرد معدن صناعي؛ إنه شريان الاقتصاد الرقمي. بحسب “روب هاورث”، كبير استراتيجيي الاستثمار في “يو إس بنك”، يدخل النحاس في كل شيء تقريبًا: من السيارات والهواتف إلى الحواسيب وتوصيل الكهرباء. يكفي طن واحد منه لتشغيل 40 سيارة كهربائية، أو 100 ألف هاتف، أو إنارة 30 منزلًا.
ومع ازدياد استهلاك الكهرباء من قبل مراكز البيانات الأمريكية — التي ارتفعت من 1.9% في 2018 إلى 4.4% في 2023 — من المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى ما بين 6.7% و12% بحلول 2028، ما يعزز الحاجة لمزيد من النحاس.
ورغم هذا الطلب المتزايد، تُنتج الولايات المتحدة محليًا ما يزيد قليلًا عن نصف احتياجاتها من النحاس المكرر، فيما تعتمد على استيراد النسبة المتبقية من تشيلي وكندا وبيرو، التي تمثل أكثر من 90% من وارداتها.
وتواجه خطط توطين الصناعة تحديات، إذ لا تتجاوز الاحتياطيات القابلة للاستخراج داخل الولايات المتحدة 1.1 مليون طن، بينما يبلغ الاستهلاك 1.6 مليون طن سنويًا.
الرسوم الجمركية المقترحة قد تؤدي إلى نتائج عكسية، إذ تُهدد بخسارة الولايات المتحدة لمكانتها الريادية في قطاع التكنولوجيا لصالح الصين. فبينما ترتفع تكلفة النحاس محليًا، تستمر الصين في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي بأسعار تنافسية، مما قد يعيد رسم خارطة التفوق التكنولوجي العالمي.