الملاعب الرياضية بعد المباراة.. استثمار أم تكلفة اقتصادية؟

حذّرت دراسة بحثية حديثة من خطر تحول الملاعب الرياضية التي تُشيَّد خصيصًا لاحتضان تظاهرات كبرى، مثل مونديال 2030، إلى أعباء مالية ثقيلة بعد انتهاء الحدث، نظرًا لما تتطلبه من تكاليف دائمة لصيانتها وتشغيلها.
الدراسة الصادرة عن مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي استندت إلى تجارب دولية سابقة، أبرزها البرازيل وجنوب إفريقيا، حيث تحوّلت بعض الملاعب إلى مرافق شبه مهجورة بعد نهاية البطولات، مع استمرار الدولة في تحمل تكاليف صيانة مرتفعة دون مقابل اقتصادي واضح.
هذه النماذج، وفق الدراسة، تُبرز أهمية التفكير الاستراتيجي في مرحلة ما بعد التظاهرات الكبرى، والانتقال من منطق “الحدث المؤقت” إلى “الاستثمار المستدام”.
ولتفادي هذا السيناريو، توصي الدراسة بتبني نموذج “الملعب متعدد الاستخدامات”، بحيث لا تقتصر الملاعب على احتضان مباريات كرة القدم فقط، بل تُفتَح لتنظيم حفلات موسيقية، مهرجانات ثقافية، معارض تجارية، مؤتمرات دولية، وأنشطة ترفيهية متنوعة.
هذا التوجه من شأنه خلق عائدات مالية متواصلة، وتنشيط محيط الملاعب عبر قطاعات حيوية مثل النقل، والمطاعم، والتجارة، والسياحة.
كما دعت الدراسة إلى اعتماد سياسة فعالة لتأجير حقوق التسمية التجارية، أي السماح للشركات الكبرى بوضع أسمائها على الملاعب في إطار اتفاقيات رعاية طويلة الأمد، كما هو معمول به في الملاعب الكبرى حول العالم.
هذه العقود، بحسب الدراسة، تُعد مصدرًا مهمًا للعائدات المالية، كما تعزز من الشراكات بين القطاع الرياضي والقطاع الخاص.
وأكدت الوثيقة كذلك على ضرورة تطوير الخدمات المرافقة للملاعب، كافتتاح مقاهٍ، متاجر، متاحف رياضية ومرافق سياحية، من خلال تسهيل المساطر أمام المستثمرين، وتقديم حوافز ضريبية لتشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة، بما يخلق فرص عمل جديدة ويوسع من النفع الاقتصادي لهذه المنشآت.
ولضمان حُسن تدبير هذه الملاعب، تقترح الدراسة إنشاء شركات جهوية مختلطة بين الدولة والجماعات الترابية والقطاع الخاص، تُكلَّف بإدارة المنشآت الرياضية وفق دفتر تحملات دقيق يربط المسؤولية بالمردودية.
هذه الشركات ستكون مسؤولة عن تأجير الملاعب، تنظيم الفعاليات، تسويق المساحات التجارية وتدبير الموارد البشرية، بعيدًا عن التعقيدات البيروقراطية.
وتخلص الدراسة إلى أن إنقاذ الملاعب من مصير الهدر المالي يتطلب تنسيقًا محكمًا بين كل الفاعلين، ورؤية اقتصادية واضحة تضع في صلبها استدامة الاستثمار العمومي وتحقيق مردودية اجتماعية واقتصادية شاملة.