المقاولات الصغرى بالمغرب تواجه تحديات تمويلية تعيق نموها وتوسعها الدولي

في قلب النسيج الاقتصادي المغربي، تواجه المقاولات الصغرى والصغيرة جداً عاصفة مثقلة بالتحديات، لا تكمن فقط في تنافس السوق أو تقلباته، بل في عائق جوهري يحد من طموحها منذ الانطلاق: مشكلة الوصول إلى التمويل.
حيث تتحول الشروط البنكية – في نظر الكثير من هذه الشركات الناشئة – إلى جدار عالٍ يعترض طريق النمو والتوسع، بل والاستمرارية ذاتها.
وتكشف معاناة هذه المقاولات عن فجوة تمويلية حادة، تُعزى إلى شروط اعتبرتها الأطراف المعنية “تعجيزية”، تترافق مع قيود إدارية ومالية تشكل كابحاً رئيسياً أمام تحويل الأفكار إلى مشاريع ناجحة وقادرة على خلق فرص العمل.
وأوضح أصحاب هذه الشركات أن البنوك تفرض شروطاً صارمة، كوجود سجل تجاري سليم، والانتظام في سداد الاشتراكات للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والالتزامات الضريبية، إلى جانب اشتراط حد أدنى لرقم المعاملات السنوي قد يصل في بعض الأحيان إلى 175 مليون درهم قبل الضريبة.
كما يضيف البعض شرطاً آخر يتمثل في تجاوز المقاولة سنتين من النشاط، مع ضرورة الحصول على موافقة مبدئية من البنك الشريك، مما يجعل هذه المعايير مجتمعة بعيدة المنال بالنسبة للعديد من الشركات الواعدة.
وتتفاقم هذه الصعوبات تحت وطأة ارتفاع تكاليف الإنتاج، التي تشمل أسعار المواد الخام والطاقة والنقل، مما يضعف القدرة المالية الأساسية للمقاولات ويقلل من جاذبيتها للاقتراض أو قدرتها على تحمل أعباء الديون المستقبلية.
وفي غياب الضمانات الكافية التي تقبلها المؤسسات المالية التقليدية، يضطر العديد من المقاولين إلى اللجوء لحلول تمويلية هشة، كالاستدانة من الأقارب أو شبكة المعارف، وهي مصادر محفوفة بالمخاطر ولا تضمن الاستدامة.
وفي تأكيد لواقع هذه المعضلة، كشف استطلاع حديث للبنك الأوروبي للاستثمار شمل 150 من مسيري المقاولات الصغرى والمتوسطة في قطاعات استراتيجية كالنسيج، والصناعات الغذائية، وقطاع السيارات، أن نصف الشركات المغربية لا تزال تواجه صعوبات في الحصول على تمويل من البنوك والمؤسسات المالية.
وأشارت نتائج الاستطلاع إلى أن 35٪ من المستجوبين اضطروا للجوء إلى مصادر تمويل شخصية، بينما واجه 15٪ رفضاً مباشراً للقروض من البنوك. وفي مقابل هذه الأرقام الصارخة، لم يلجأ سوى 1٪ فقط من الشركات لأي طلب تمويل، سواء كان مهيكلاً أو غير مهيكل.
وحول طبيعة العوائق، أبرزت الدراسة أن ارتفاع أسعار الفائدة، والمبالغ الكبيرة المطلوبة كضمانات، وعدم كفاية رؤوس الأموال الذاتية، تُعد أبرز الحواجز المالية.
كما أن تعقيد الإجراءات الإدارية، ونقص برامج الدعم والمواكبة الفعالة، وضعف تدفق المعلومات حول البدائل التمويلية المتاحة، كلها عوامل تزيد من عزل المقاولات وتضاعف من صعوبة حصولها على القروض المناسبة.
ولا يقف تأثير هذه العقبة عند الحدود المحلية، بل يمتد ليطال آفاق التصدير والنمو الخارجي. حيث يرى أكثر من ثلث مسيري الشركات أن نقص التمويل يشكل عائقاً رئيسياً أمام تصدير منتجاتهم، بينما تشير أربع شركات من كل عشر إلى أنها تصدر على نطاق محدود جداً، وغير قادرة على تلبية متطلبات الأسواق الدولية بسبب عدم توفر الإمكانيات المالية اللازمة للتطوير والتكيف.
وبالتالي، يبقى التحدي المركزي أمام المقاولات الصغرى والمتوسطة في المغرب هو كسر حلقة العزلة التمويلية.
الأمر الذي يتطلب تطوير حلول تمويلية مبتكرة ومرنة، تكون أكثر استجابة لطبيعة واحتياجات هذه الشريحة الحيوية من الاقتصاد. حلول تتيح لها ليس فقط الصمود والنمو في السوق المحلية، بل تمكينها من الانطلاق نحو الأسواق الخارجية، مما يعزز دورها كرافعة حقيقية للاقتصاد الوطني وكمحرك أساسي لخلق فرص العمل والابتكار.




