المغرب وإسبانيا يطلقان تعاونًا علميًا لتفكيك تعقيدات نفق جبل طارق

بعد سنوات من الجمود والتردد، عاد مشروع الربط القاري بين إفريقيا وأوروبا عبر مضيق جبل طارق ليتحرك من جديد، لكن هذه المرة من بوابة العلم.
فقد أطلق المغرب وإسبانيا مرحلة تعاون علمي متقدم تروم تفكيك التعقيدات الزلزالية والجيوديناميكية التي طالما شكّلت العائق الأكبر أمام إنجاز نفق بحري يربط بين الضفتين.
وبحسب ما أوردته صحيفة “إل إنديبيندينتي” الإسبانية، وقع البلدان اتفاقًا جديدًا يركز على دراسة النشاط الزلزالي والبنية الجيولوجية لمضيق جبل طارق، في خطوة تُعدّ مفصلية ضمن مسار طويل ومليء بالتحفظات التقنية والمالية.
الاتفاق أُبرم في إطار قمة ثنائية سريعة لم تتجاوز ثلاث ساعات، وأسفرت عن توقيع 14 اتفاقًا دون عقد ندوة صحفية، ما فجّر انتقادات داخل البرلمان الإسباني بسبب ما اعتُبر نقصًا في الشفافية.
الاتفاق العلمي الجديد جمع بين المعهد الجغرافي الوطني الإسباني والمركز الوطني المغربي للبحث العلمي والتقني، ويهدف إلى تطوير فهم أدق للمخاطر الزلزالية واحتمالات حدوث موجات تسونامي في منطقة تعد من أكثر المناطق الجيولوجية تعقيدًا في العالم.
ويرتكز التعاون على إنجاز أبحاث مشتركة وتبادل البيانات والخبرات، بما يخدم ليس فقط مشروع النفق، بل أيضًا منظومات الإنذار المبكر والسلامة الساحلية.
وتمتد المرحلة الأولى من هذا البرنامج البحثي لثلاث سنوات قابلة للتجديد، بالتوازي مع عودة شركة SECEGSA الإسبانية، المكلفة تاريخيًا بدراسات الربط القاري، إلى استئناف نشاطها بعد سنوات من التوقف.
وشرعت الشركة بالفعل في إطلاق طلبات عروض لاقتناء معدات متطورة، تشمل أجهزة لرصد الزلازل في قاع البحر، وأدوات دقيقة في مجالات الجيوديسيا والهيدروغرافيا وعلوم المحيطات.
وتتركز التحديات التقنية الكبرى في ما يُعرف بـ“عتبة المضيق” غرب جبل طارق، وهي منطقة يصل عمقها إلى نحو 300 متر، وتتميز بتكوين جيولوجي شديد التعقيد، كان سببًا في تعثر محاولات سابقة للحفر.
غير أن التقرير يشير إلى أن التقدم التكنولوجي في العقود الأخيرة قد يفتح نافذة جديدة لتجاوز بعض هذه العقبات الهندسية التي كانت تُعدّ في السابق شبه مستحيلة.
رغم ذلك، يظل العائق الأكبر ماليًا بامتياز. فتكلفة المشروع، التي كانت تُقدّر بنحو 13 مليار يورو قبل ثلاثين عامًا، تضاعفت اليوم لتتجاوز بكثير هذا الرقم، ما يجعل تنفيذ النفق مرهونًا بنتائج الدراسات التقنية ومدى إثبات جدواه الاقتصادية في ظل التحولات العالمية في النقل والطاقة.
وفي بيان مشترك، أكد المغرب وإسبانيا على أهمية تعزيز ربط البنيات التحتية وتسهيل تنقل الأشخاص والبضائع بين القارتين، في انسجام مع الرهانات الاقتصادية واللوجستية المستقبلية. غير أن وزارة النقل الإسبانية شددت في المقابل على أن المشروع لا يزال في مراحله الأولى، وأن أي قرار بالانتقال إلى مرحلة الإنجاز يبقى سابقًا لأوانه.
هكذا، يعود حلم نفق جبل طارق إلى الطاولة، لا كقرار سياسي جاهز، بل كمشروع طويل النفس، تحكمه حسابات العلم، وكلفة الأعماق، ورهانات الجغرافيا التي لا ترحم.




