المغرب بين سياسة “لا للكاش” وصرف المليارات نقدًا..مفارقة تعمق الشكوك

في الوقت الذي يتبنى فيه بنك المغرب سياسات صارمة تهدف إلى تقليص الاعتماد على النقد (الكاش) وتعزيز الرقابة الاقتصادية، تواصل الحكومة ضخ مليارات الدراهم شهريًا في إطار برنامج الإنعاش الوطني، بينما تستمر المؤسسات الحكومية في صرف الرواتب نقدًا.
هذه المفارقة تكشف عن فجوة عميقة بين التصريحات الرسمية والممارسات الواقعية، مما يعكس اختلالًا بنيويًا في فهم آليات تعزيز الشفافية والمساءلة.
كيف يمكن أن يتم دعوة المواطنين إلى تقليص استخدام النقد وتعزيز التحول الرقمي، بينما الأموال العامة تُنفق نقدًا في غياب أي آلية فعالة للرقابة والمحاسبة؟
هذا الوضع يثير العديد من التساؤلات حول طرق توجيه هذه الأموال ومن هم المستفيدون الفعليون منها، مما يعزز الإحساس بعدم الشفافية في التعامل مع الموارد العامة.
في واقع الحال، يفتح هذا الوضع المجال لتغذية الاقتصاد غير المهيكل، حيث يُنفق المال العام دون أن يتمكن المواطنون من معرفة كيفية توزيعه أو فحص تأثيره الفعلي.
إن غياب الرقابة الحقيقية يعزز من الفساد المالي ويؤثر سلبًا على تحقيق العدالة الاجتماعية.
كما أن هذه السياسات قد تعطل الجهود الرامية إلى بناء بيئة اقتصادية شفافة ومستدامة، وهو ما يؤثر بدوره على تطور الاقتصاد المغربي.
المشكلة لا تكمن في برنامج الإنعاش الوطني نفسه، بل في غياب الآليات الرقابية التي تضمن أن هذه الأموال تُستخدم لتحقيق الفائدة الفعلية للمجتمع.
هذه التناقضات بين السياسات المعلنة والممارسات الفعلية تعكس فشلًا كبيرًا في تفعيل البرامج الحكومية على أرض الواقع. فبدلاً من أن تُسهم هذه الأموال في دفع عجلة التنمية المستدامة، تظل رهينةً لممارسات ضبابية تساهم في تفشي الفساد وإضعاف الثقة في المؤسسات الحكومية.
إن الحكومة مدعوة إلى إعادة النظر في استراتيجياتها لضمان توجيه الأموال العامة بشكل يتماشى مع مبادئ الشفافية والمساءلة.
وإذا كان الهدف الحقيقي هو تعزيز الاقتصاد الوطني، فيجب أن تكون هناك آليات رقابة فعالة تضمن أن الأموال التي تُستثمر تُستخدم لتحقيق الأهداف المرسومة، مع العمل على تحسين التحول الرقمي وتسهيل الوصول إلى المعاملات المالية بطريقة تضمن أقصى درجات الشفافية.