المرأة بين الوظيفة والرعاية.. أزمة لم تحل بعد

في زمن تتسارع فيه النقاشات حول العودة إلى نموذج “الزوجة التقليدية” (Tradwife)، تكشف الأرقام الأمريكية عن تناقض صارخ: منذ بداية العام، حصل 44 ألف رجل على وظائف جديدة، بينما غادرت أكثر من 200 ألف امرأة سوق العمل.
هذه الفجوة لا تشير فقط إلى تغيرات في سوق العمل، بل تكشف عن أزمة أوسع تتعلق بتوازن المرأة بين الحياة المهنية والأسرية.
في كتابها «إيكونوميكا»، تعرض الباحثة البريطانية فيكتوريا باتيمان تحليلاً تاريخياً يضع النساء في قلب الاقتصاد.
ترى باتيمان أن تراجع مشاركة النساء في الاقتصاد ليس ظاهرة حديثة، بل جزء من دورة تاريخية: كل مرحلة شهدت توسعاً لمساهمة النساء في الاقتصاد، أعقبها انكماش عند شعور المجتمعات بأن الدور الإنتاجي للمرأة يهدد دورها الإنجابي المتوقع.
من الأمثلة التاريخية التي تبرزها:
-
خديجة بنت خويلد: تاجرة ومديرة قوافل تجارية كبرى.
-
تشنغ شيه: قائدة أسطول القراصنة الأكبر في الصين بالقرن التاسع عشر.
-
بريسيلا ويكفيلد: مؤسسة أول بنك ادخار للنساء الفقيرات في إنجلترا.
لكن هذه الأمثلة، بحسب باتيمان، تبقى استثناءات، فالاقتصاد الرسمي ظل غالباً حكراً على الرجال.
تشير باتيمان إلى أن التكنولوجيا لعبت دوراً مزدوجاً في تحديد أدوار النساء: فهي عززت هيمنة الرجال في الأعمال الإنتاجية مثل الزراعة، وفي المقابل سمحت للنساء بالعمل من المنزل في صناعات مثل غزل الحرير.
ومع كل توسع في دور النساء الاقتصادي، ارتفع القلق المجتمعي بشأن “النقاء الإنجابي”، وهو نمط متكرر عبر العصور، من الفترات الفكتورية إلى العصور الرومانية.

في «فيمونوميكس»، توثق كورين لو الضغوط اليومية على النساء العاملات:
-
ثبات دور الرجل: لا يقوم الرجال الأمريكيون بأعمال منزلية أكثر مما كانوا عليه قبل 50 عاماً، رغم زيادة مشاركة النساء في سوق العمل.
-
لا علاقة بالدخل: حتى مع الدخل الأعلى للمرأة، تبقى مسؤولة عن الرعاية المنزلية.
-
تبديد الوقت المكتسب: الوقت الذي وفّرته التكنولوجيا استُهلك في “الأمومة المكثفة”.
ولكن هذه الحلول غالباً ما تقتصر على النساء ذوات الدخل المرتفع، بينما تبقى الأخريات محاصرات دون خيار.

توضح إيما هولتن في «العجز» أن الاقتصاد الحديث لا يعترف بالقيمة الاقتصادية للرعاية المنزلية غير المدفوعة.
هذا التجاهل جذوره في الفكر الاقتصادي الكلاسيكي، من آدم سميث إلى سيمون كوزنتس، حيث تم استبعاد الرعاية المنزلية من أي حسابات رسمية، ما أدى إلى بروز ما تسميه هولتن “الوظائف الجشعة” التي تتطلب التزاماً مطلقاً وتحدياً للتوازن بين العمل والحياة الأسرية.
رغم التحليل العميق، تبقى الحلول العملية غائبة:
-
باتيمان: تركّز على الاقتصاد الإنتاجي دون تصور بديل للرعاية.
-
هولتن: تدعو إلى “اقتصاد إنساني” دون سياسات واضحة.
-
لو: توصي بتفويض المهام، ما قد ينقل العبء إلى نساء أخريات بأجور منخفضة.
النقطة المحورية التي يتفق عليها الجميع هي أن أزمة دور المرأة لا يمكن حلها دون بناء نظام اقتصادي يعترف بالرعاية كقيمة أساسية، لا مجرد عبء.
وحتى يتحقق ذلك، ستظل المرأة محاصرة بين وظيفتين متنافستين: الأجر والرعاية، وسنظل نفهم مساهمتها الاقتصادية نظرة ناقصة وغير عادلة.




