المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي يدعو إلى جعل الفلاحة العائلية أولوية استراتيجية

أكد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي على الأهمية الحيوية للفلاحة العائلية الصغيرة والمتوسطة، مشددًا على أنها ليست مجرد وحدات إنتاجية محدودة، بل تمثل نمط عيش متكامل يساهم في تحقيق الأمن الغذائي المحلي، وتوفير فرص العمل، وتعزيز الاستقرار في المناطق القروية والحد من الهجرة، بالإضافة إلى دورها الأساسي في الحفاظ على البيئة والتراث والتقاليد الزراعية المتوارثة.
وأوضح رئيس المجلس، عبد القادر اعمارة، خلال تقديمه لرأي المجلس حول “الفلاحة العائلية الصغيرة والمتوسطة: من أجل مقاربة أكثر ملاءمة، مبتكرة، دامجة، مستدامة، وذات بعد ترابي”، أن هذا الرأي تم إعداده وفق مقاربة تشاركية واسعة، شملت الاستماع إلى مختلف الفاعلين المؤسساتيين والمهنيين والخبراء، بالإضافة إلى زيارة ميدانية لإقليم الصويرة وإجراء استشارة مواطنة لجمع آراء وتصورات المواطنين حول هذا الموضوع.
وأشار اعمارة إلى أن المجلس اعتمد تعريفًا مندمجًا للفلاحة العائلية الصغيرة والمتوسطة يتجاوز النظرة إليها كنمط فلاحي معيشي فحسب.
ويرتكز هذا التعريف على عدة خصائص ووظائف، من بينها ممارسة أنشطة زراعية وحيوانية متنوعة في استغلاليات تقل مساحتها عن 5 هكتارات، وتوفير الاستهلاك الذاتي للأسر مع تسويق الفائض في الأسواق المحلية، وتنويع مصادر الدخل من خلال أنشطة غير فلاحية مدمجة، وتحقيق الإدماج الاقتصادي والاجتماعي لشرائح واسعة من سكان القرى، والحفاظ على السلالات الحيوانية والأنواع النباتية المحلية.
كما لفت إلى الدور المحوري الذي تلعبه الفلاحة العائلية الصغيرة والمتوسطة في الحفاظ على النظم البيئية والتنوع البيولوجي، من خلال مساهمتها في الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية وتعزيز قدرة الاستغلاليات الزراعية على مقاومة تقلبات المناخ والضغوط الخارجية.
وشدد المجلس في تشخيصه لواقع الاستغلاليات الفلاحية الصغيرة والمتوسطة، التي تمثل حوالي 70% من إجمالي الاستغلاليات في المغرب، على أن السياسات العمومية في مجالات التنمية الفلاحية والقروية لم تستهدف هذا النمط الإنتاجي بشكل كاف وفعال بما يعزز مساهمته في القيمة المضافة الفلاحية وانخراطه في جاذبية الوسط القروي.
واعتبر أن هذا النوع من الفلاحة لا يزال يمثل “الحلقة الضعيفة” في المقاربات المعتمدة من حيث الدعم التقني والتمويل والمواكبة.
وأكد اعمارة أن معطيات مخطط المغرب الأخضر تظهر أن حجم الاستثمارات الموجهة لمشاريع الفلاحة التضامنية، التي يمارسها غالبًا فلاحون عائليون، لم يتجاوز 14.5 مليار درهم، مقابل حوالي 99 مليار درهم خصصت للفلاحة ذات القيمة المضافة العالية، مما يستدعي ضرورة مضاعفة الاعتراف والتحفيز والتثمين لهذا النسيج الفلاحي العائلي في السياسات العمومية ذات الصلة.
وأضاف أن ضعف تنظيم هذه الاستغلاليات في هياكل منظمة يحد من فعاليتها الإنتاجية والتسويقية، خاصة في “مشاريع التجميع الفلاحي” وفي مواجهة العدد الكبير للوسطاء الذين يمارسون المضاربة على حساب صغار المنتجين.
وبناءً على هذا التشخيص، أكد اعمارة أن المجلس يوصي بجعل الفلاحة العائلية الصغيرة والمتوسطة أولوية استراتيجية في السياسات الفلاحية والقروية الوطنية، نظرًا لوظائفها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الهامة.
ويطمح المجلس إلى تحويل هذا القطاع إلى قطاع أكثر إنتاجية وشمولية واستدامة، من خلال تعزيز اندماجه في سلاسل القيمة وقدرته التفاوضية في الأسواق، ومساهمته في استقرار السكان القرويين وتحسين الدخل والحفاظ على النظم البيئية.
وأوصى المجلس بوضع خطة عمل خاصة بهذا النمط الفلاحي تأخذ في الاعتبار خصوصيات كل منطقة، على أن تتضمن إجراءات دعم تتجاوز الأنشطة الفلاحية لتشمل تطوير البنية التحتية الملائمة، وتنويع الأنشطة المدرة للدخل، وتحسين الوصول إلى الخدمات العمومية.
كما شدد المجلس على ضرورة تشجيع الفلاحين العائليين على تبني ممارسات فلاحية مستدامة، وتطوير زراعات مقاومة لتغير المناخ وذات قيمة مضافة عالية واستهلاك منخفض للمياه، مع مراعاة الخصوصيات الفلاحية الإيكولوجية لكل منطقة.
ودعا إلى تعزيز تنظيم هذه الاستغلاليات في إطار تعاونيات ومجموعات ذات نفع اقتصادي وجمعيات، وتهيئة فضاءات رعوية تعاونية مع ضمان الاستغلال بالتناوب للحفاظ على الموارد النباتية وتجنب الرعي الجائر.
وتضمنت التوصيات أيضًا مواصلة دعم صغار ومتوسطي الكسابة للحفاظ على السلالات المحلية من الماشية وتأطيرهم لتقوية قدراتهم في عمليات التهجين، وتعزيز تحويل المنتجات ذات الأصل النباتي والحيواني، وتفعيل آلية الاستشارة الفلاحية، وتحسين ولوج الفلاحين العائليين إلى التمويل، والاعتراف بالوظائف البيئية لهذا النوع من الفلاحة وتثمينها.
من جانبه، قدم مقرر الموضوع، عبد الرحمان قنديلة، تفاصيل حول مخرجات العمل على مستوى التشخيص والتحليل والتوصيات، مؤكدًا على الأهمية الاقتصادية للفلاحة العائلية الصغيرة والمتوسطة وضرورة الاعتراف بأدوارها كركيزة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المستدامة.
وأبرز قنديلة الخصائص المتعددة للفلاحة العائلية، سواء على مستوى الوظائف الإنتاجية والاقتصادية أو الاجتماعية أو البيئية، مشيرًا إلى التحديات التي تواجهها وداعياً إلى جعلها أولوية استراتيجية في السياسات الفلاحية والقروية الوطنية.
وأوضح أن الاستغلاليات الفلاحية التي تقل مساحتها عن 5 هكتارات، والتي تشمل غالبية الاستغلاليات العائلية الصغيرة والمتوسطة، تساهم بنسبة 29% في القيمة المضافة الفلاحية وتلعب دورًا هامًا في تزويد الأسواق المحلية.
واعتبر أن تنويع الزراعات ودمج تربية الماشية يساهم في تعزيز قدرة هذه الاستغلاليات على الصمود الاقتصادي.
كما أكد على أن بعض الزراعات المتخصصة، كالزراعة البيولوجية والمنتجات المجالية ذات الخصائص المميزة، تساهم في تحسين دخل الفلاحين العائليين وتوفير فرص العمل في المناطق القروية، مذكراً بالدور الاجتماعي الهام لهذا النوع من الفلاحة في توفير فرص العمل لنسبة كبيرة من اليد العاملة الفلاحية، والتي تتكون في معظمها من العمالة العائلية.