الاقتصادية

الطروحات العامة: بين أحلام الثراء ومخاطر التقييمات المبالغ فيها

في عام 2024، اجتمع مجموعة من المستثمرين الأفراد في منتدى مالي لمناقشة تجربتهم المخيبة مع الاكتتاب العام لشركة “آرم” البريطانية المتخصصة في تصميم الرقائق، الذي كان يُعتبر من أبرز الاكتتابات في ذلك العام.

ورغم الضجة الإعلامية الكبيرة والتوقعات بتحقيق أرباح سريعة، تراجعت قيمة السهم بنحو 20% خلال الأسابيع الأولى من التداول، مما أدى إلى خسائر كبيرة للعديد من المستثمرين.

تُعد هذه التجربة تكرارًا لحالات أخرى مشابهة من الطروحات العامة التي لم تحقق التوقعات المرجوة، مما يثير تساؤلات حول جدوى الاستثمار في الاكتتابات العامة الضخمة.

ما الذي يجعل بعض الطروحات العامة مخيبة للآمال رغم الزخم الإعلامي الذي يسبقها؟

ولماذا يسارع المستثمرون الأفراد إلى الشراء فور الإدراج دون دراسة دقيقة للأساسيات المالية للشركات؟ ورغم أن بعض الطروحات قد تحقق نجاحًا، كما حدث مع بعض الشركات الكبرى خلال طفرة التكنولوجيا، إلا أن العديد من الاكتتابات الجديدة تشهد تقلبات حادة فور دخولها السوق.

عدد الاكتتابات العامة الأولية في السوق الأمريكي منذ بداية الربع الرابع من 2024

الشهر

عدد الاكتتابات

أكتوبر 2024

22

نونبر

8

دجنبر

14

يناير 2025

17

فبراير

18

مارس

18

أبريل

16

 

يظل الاستثمار في الطروحات الأولية سيفًا ذا حدين: من جهة، يمثل فرصة للدخول المبكر إلى شركات واعدة، ومن جهة أخرى، يعد مغامرة تحمل مخاطر مرتفعة مشابهة لتقلبات أسواق المضاربات.

بدأ عام 2025 ليكون “عام الضوء الأخضر” للاكتتابات العامة في الولايات المتحدة، حيث جرى 68 اكتتابًا حتى نهاية أبريل، بزيادة نسبتها 41.6% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

ورغم هذه الزيادة، يتوقع المحللون أن إجمالي الأموال التي سيتم جمعها من الاكتتابات العامة هذا العام قد تتراوح بين 45 إلى 50 مليار دولار أمريكي، وهي أرقام أقل بكثير من ذروة 2021 التي بلغت 142.4 مليار دولار.

خارج الولايات المتحدة، شهدت العديد من الأسواق العالمية انتعاشًا لافتًا في الاكتتابات، ما يعكس اهتمامًا متزايدًا من المستثمرين على الرغم من التحديات الاقتصادية المستمرة.

فقد تصدرت الهند قائمة الاكتتابات العالمية، حيث شهدت 327 اكتتابًا عامًا أوليًا. وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تم جمع 12.6 مليار دولار من 54 اكتتابًا، بينما شهدت أوروبا انتعاشًا ملحوظًا بمجموع 14.6 مليار يورو من 57 اكتتابًا.

6c954776 0d6a 42a2 8e6b 1d335ff8b124 Detafour

من أبرز المخاطر التي تواجه الاكتتابات العامة هو التقييم المبالغ فيه. فعلى سبيل المثال، كانت شركة “فينتشر جلوبال” في بداية عام 2025 تطمح لتقييم يتجاوز 110 مليارات دولار، ولكنها اضطرت إلى خفض هذا التقييم بنسبة 45% بعد المخاوف المتزايدة من المستثمرين بشأن جدوى هذا التقييم.

تُعد شركة “فيسبوك” عام 2012 مثالًا آخر على الطروحات ذات التقييمات المرتفعة، حيث كانت التوقعات ضخمة لكنها تراجعت بشكل كبير بعد الإدراج.

كما أظهرت الإحصائيات أن 80% من أكبر 10 اكتتابات في 2023 سجلت خسائر في الشهر الأول من التداول، مما يسلط الضوء على الطبيعة المضاربية العالية لهذه الطروحات.

تواجه الاكتتابات العامة العديد من التحديات الاقتصادية، مثل ارتفاع معدلات الفائدة والتقلبات الناتجة عن السياسة النقدية، حيث تقل شهية المستثمرين نحو الأصول عالية المخاطر مع رفع أسعار الفائدة، مما يجعل تمويل الشركات الناشئة أكثر تكلفة.

بالإضافة إلى ذلك، تساهم القرارات السياسية المفاجئة، مثل الرسوم الجمركية الجديدة التي أعلنها الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، في تأجيل بعض الاكتتابات، مما يزيد من تعقيد المشهد. كما أن التوترات الجيوسياسية تؤدي إلى زيادة حالة عدم اليقين، مما يدفع المستثمرين نحو الملاذات الآمنة بدلاً من الاكتتابات الجديدة.

2e5ca5e8 4ca1 4bed 9831 1cb28bc37363 Detafour

من المتوقع أن يستمر الزخم في أسواق الاكتتابات في بعض الأسواق الناشئة، مثل الهند ومنطقة الشرق الأوسط، بفضل الدعم الحكومي القوي.

ومع ذلك، يظل المستقبل غير مؤكد، حيث يعتمد بدرجة كبيرة على تطورات الاقتصاد الكلي والسياسات التنظيمية.

في حال استمرت البنوك المركزية في تشديد السياسات النقدية، قد يتعرض السوق لضغوط إضافية تؤجل خطط الاكتتاب. من ناحية أخرى، قد يسهم التوجه نحو شركات التكنولوجيا المستدامة واستخدام الذكاء الاصطناعي في جذب جيل جديد من المستثمرين.

لكن يبقى التحدي الأكبر هو تحقيق التوازن بين التقييمات الجذابة والواقعية. فكلما اتسعت الفجوة بين القيمة المتوقعة والسوقية الفعلية، زادت احتمالات الخسارة.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى