الاقتصادية

الطاقة النووية في بريطانيا: استثمار استراتيجي لمستقبل مستدام

في الوقت الذي تعتمد فيه فرنسا بشكل رئيسي على الطاقة النووية لتوليد الكهرباء، تعاني بريطانيا من أعلى تكاليف الكهرباء الصناعية في العالم. ورغم أن بناء المفاعلات النووية الصغيرة (SMRs) ينطوي على تكاليف أولية مرتفعة، فإن العائد على الاستثمار قد يكون هائلاً، كما يشير رجل الأعمال جون كودويل.

شهد العالم في الشهر الماضي أكثر درجات الحرارة ارتفاعًا على الإطلاق خلال شهر يناير، وهو أمر كان غير متوقع نظرًا لتأثير “النينيا” الذي عادةً ما يؤدي إلى تبريد المناخ.

هذه الظاهرة المناخية غير المسبوقة تُعد تذكيرًا صارخًا بأزمة الاحتباس الحراري المتفاقمة، مما يدفع الدول إلى اتخاذ قرارات حاسمة بشأن مستقبل الطاقة.

و باتت الحكومات اليوم أمام خيارين: إما الاستثمار في التكنولوجيا النظيفة وخلق فرص عمل مستدامة تعزز النمو الاقتصادي، أو التخلف عن هذا السباق وترك الدول الأخرى تحصد ثمار التحول الطاقي.

في خطوة تعكس تحولًا استراتيجيًا، أعلنت الحكومة البريطانية عن إصلاحات في قوانين التخطيط لتسهيل بناء محطات الطاقة النووية، بما في ذلك المفاعلات النووية الصغيرة.

هذه الخطوة، التي طال انتظارها، تمثل دفعة قوية نحو تحقيق الاستقلال الطاقي وتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية.

قبل أكثر من عقد، رفضت بريطانيا الاستثمار في الطاقة النووية بحجة أن فوائدها لن تكون ملموسة حتى عام 2022، لكن اليوم، في عام 2025، يبدو هذا القرار قصير النظر للغاية. في ستينيات القرن الماضي، كانت المملكة المتحدة رائدة في المجال النووي، حيث امتلكت عددًا من المفاعلات يفوق أي دولة أخرى. ومع ذلك، تراجع هذا التفوق تدريجيًا بسبب الاعتماد المفرط على الغاز.

نتيجةً لنهجها قصير الأمد، تواجه بريطانيا اليوم أزمة طاقة حادة، حيث تسجل أعلى تكاليف الكهرباء الصناعية في العالم. ومع ذلك، فإن الطاقة النووية تقدم حلاً مستدامًا يمكن أن يعزز الاقتصاد الوطني، ويحقق الاستقلال الطاقي، ويعزز الأمن القومي.

تشير التقديرات إلى أن الكهرباء المنتجة من مفاعل نووي صغير يمكن أن تكلف نحو 5 بنسات لكل كيلوواط/ساعة، مما يجعلها أكثر جدوى من الناحية الاقتصادية.

ورغم أن بناء آلاف المفاعلات الصغيرة بجانب المحطات الكبرى مثل “هينكلي بوينت سي” و”سيزويل سي” قد يتطلب استثمارات تصل إلى 500 مليار جنيه إسترليني، فإن العائد على الاستثمار سيكون هائلًا، إذ يمكن تغطية التكاليف خلال عامين فقط وفقًا لأسعار الكهرباء الحالية.

يمثل الاستثمار في الطاقة النووية فرصة استراتيجية لبريطانيا لاستعادة مكانتها كقوة عالمية في هذا القطاع. صحيح أن الطاقة النووية ليست الحل الوحيد لمشكلات الطاقة، لكنها تشكل ركيزة أساسية لتحقيق أمن الطاقة وخفض الانبعاثات الكربونية.

وعلى الرغم من بعض المخاوف البيئية، فإن الطاقة النووية – وخاصة المفاعلات النووية الصغيرة – توفر مصدرًا آمنًا ونظيفًا ومستدامًا للكهرباء. وإذا أرادت بريطانيا تحقيق أهدافها المناخية والتخلص من الوقود الأحفوري، فإنها بحاجة إلى تسريع خطواتها في هذا الاتجاه، فالمستقبل لا ينتظر.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى