الصين في سباق القيادة الذاتية.. بين الطموح التقني والتحديات الواقعية

في قلب الطرق السريعة لمقاطعة آنهوي، وقع في مارس الماضي حادث مأساوي أعاد إلى الأذهان التحديات الكبيرة لتقنيات السيارات الذاتية القيادة.
طالبة كانت تقود سيارة كهربائية من طراز SU7، تعتمد نظام المساعدة على القيادة، قبل أن تصطدم السيارة بعد ثماني دقائق من تشغيل النظام، ما أسفر عن وفاة ثلاثة أشخاص كانوا على متنها، رغم تذكير النظام لها بالحفاظ على يديها على المقود.
انتشر الحادث بسرعة على وسائل الإعلام الصينية، ليشعل نقاشًا حول سرعة تبني البلاد للسيارات الذكية ومدى جاهزية الأطر التنظيمية لمواجهة المخاطر المحتملة.
تقسم صناعة السيارات الذكية أنظمة القيادة الذاتية إلى ست مستويات، تبدأ من المستوى صفر بلا أي مساعدة، وصولًا إلى المستوى الخامس حيث تتولى السيارة جميع مهام القيادة دون تدخل بشري.

حاليًا، يتركز التركيز على المستويين الثاني والثالث في سوق السيارات الاستهلاكية:
المستوى الثاني: التوجيه والتسارع والفرملة بشكل ذاتي مع مراقبة السائق باستمرار.
المستوى الثالث: يسمح للسائق بأداء أنشطة جانبية، شرط القدرة على استعادة التحكم فور الحاجة.
بحسب مورغان ستانلي، أكثر من نصف السيارات الجديدة في الصين مصنفة ضمن المستوى الثاني، ومن المتوقع أن تستحوذ الصين على نصف السيارات العالمية ضمن هذا المستوى وما فوقه بحلول عام 2030.
لا يقتصر الطموح الصيني على السيارات الفردية، بل يمتد إلى سيارات الأجرة الذاتية أو الروبوتاكسي من المستوى الرابع، المخصصة للتنقل ضمن مناطق محددة.

وتوقعات غولدمان ساكس تشير إلى وصول عدد هذه السيارات إلى 632 ألف سيارة بحلول 2030، مقارنة بتوقعات أقل بكثير للولايات المتحدة.
ويعزى هذا التقدم إلى المنافسة الشرسة بين الشركات، سلاسل التوريد المتطورة، الدعم الحكومي، وتفاؤل المجتمع بالتكنولوجيا، إضافة إلى نهج “الاختبار أولًا والتنظيم لاحقًا”، الذي يسمح بإجراء تجارب موسعة قبل وضع قواعد وطنية شاملة.
حتى عام 2024، تمت الموافقة على أكثر من 32 ألف كيلومتر من الطرق لاختبارات القيادة الذاتية. وسجل مهندسو بكين نحو 39 مليون كيلومتر من الاختبارات، بينما منحت ووهان أول تراخيص للروبوتاكسي في 2022، لتغطي اليوم نحو ثلث شوارع المدينة.
يقول تشنغ لين، أستاذ القانون بجامعة داليان البحرية، إن هذه التجارب تمنح مساحة أكبر للتعلم من الأخطاء قبل تعميم التكنولوجيا. ورغم تعدد القواعد المحلية، فإنه يوفر قاعدة بيانات قيّمة لصانعي السياسات والمستثمرين على حد سواء.
الحادث في آنهوي زاد الضغوط على الشركات والسلطات. وفي فبراير، طالبت الحكومة بإجراء اختبارات إضافية والحصول على موافقات رسمية قبل أي تحديثات برمجية عن بُعد لتفادي مخاطر البرمجيات المعيبة.
كما استدعت شاومي 117 ألف سيارة من طراز SU7 بعد تقارير تفيد بعدم قدرة أنظمة المساعدة على التعامل مع السيناريوهات القصوى.
وفي سبتمبر، أصدرت الجهات التنظيمية مسودة معايير وطنية للسلامة، من المتوقع أن تجبر سيارات المستوى الثاني على إيقاف النظام إذا لم يكن السائق منتبهاً.
الصين تسعى لموازنة سرعة الابتكار مع الرقابة التنظيمية الصارمة. وبينما تواصل شركات السيارات اختبار أنظمة القيادة الذاتية على الطرق، يبقى التحدي الأكبر هو توفير بيئة آمنة للمستهلكين دون إعاقة التقدم التكنولوجي، لتستمر البلاد في قيادة السباق العالمي نحو مستقبل القيادة الذاتية.




