الصين تتحول من أكبر دائن إلى أبرز محصل ديون في آسيا الوسطى

تحولت الصين في السنوات الأخيرة من كونها أكبر دائن في العالم إلى أكبر محصل للديون، خاصة في دول آسيا الوسطى التي تواجه ضغوطًا متزايدة لتسديد المليارات التي اقترضتها من مؤسسات صينية.
ورغم هذه الضغوط، تحافظ الأهمية الجيوسياسية لتلك الدول على حماية نسبية من الإجراءات القسرية التي قد تضر بالعلاقات الاستراتيجية.
يبرز هذا التحول في تقرير أصدره معهد Lowy الأسترالي بعنوان “ذروة السداد: الإقراض الصيني العالمي”، الذي يوضح كيف تحولت الصين من “مصرفي ثنائي رئيسي” إلى “أبرز محصل للديون في الدول النامية”، مع تراجع التدفقات المالية الصافية من بكين وتحول القروض إلى أعباء مالية متزايدة على موازنات الدول المقترضة.
منذ انطلاق مبادرة الحزام والطريق عام 2013، ضخّت الصين قروضًا ضخمة للدول النامية، خاصة بين 2013 و2018. لكن فترة السماح لهذه القروض بدأت تنتهي، ما أدى إلى بداية مرحلة سداد حاسمة، تسبب آلامًا مالية كبيرة للعديد من الدول.
بحلول 2023، باتت 60 دولة نامية تعاني من تدفقات مالية صافية سلبية تجاه الصين، مقارنة بـ18 دولة فقط في 2012، وسجل صافي التدفقات السلبية لعام 2024 نحو 34 مليار دولار. ويُقدّر أن تبلغ مدفوعات هذه الدول للصين نحو 22 مليار دولار في 2025.
بحسب التقرير، كانت ديون دول آسيا الوسطى لمؤسسات صينية حوالي 20 مليار دولار في بداية 2024، موزعة بين:
كازاخستان: 9.2 مليار دولار
أوزبكستان: نحو 4 مليارات دولار
قرغيزستان: نحو 4 مليارات دولار
طاجيكستان: حوالي 3 مليارات دولار
ورغم أن ديون كازاخستان وأوزبكستان تُعتبر قابلة للإدارة بفضل اقتصادهما الأكبر، فإن قرغيزستان وطاجيكستان معرضتان بشكل أكبر لخطر الوقوع في “فخ الديون” الصيني.
أما تركمانستان، فتتمتع بحالة خاصة بفضل فائضها التجاري مع الصين الناتج عن صادرات الغاز الطبيعي، رغم غموض بياناتها المالية.
يعزو معهد Lowy هذا التحول إلى تباطؤ الاقتصاد الصيني وخصائص قروض الحزام والطريق التي تتميز بفترات سماح قصيرة يليها جدول سداد مكثف.
لكنه يتوقع أن الصين ستتجنب فرض ضغوط قسرية قوية على دول آسيا الوسطى للحفاظ على نفوذها الاستراتيجي، خصوصًا مع استمرار بكين في تقديم قروض جديدة لكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان.
يحذر التقرير من أن عبء الديون الصينية المتزايد يهدد قدرة الدول النامية على تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مثل مكافحة الفقر ومواجهة التغير المناخي، في ظل تراجع المساعدات الغربية وتزايد توجهات الانعزال في الولايات المتحدة وأوروبا.
تفاقمت الانتقادات لتشمل ممارسات شركات صينية في الأسواق المحلية، حيث كشف تحقيق استقصائي في أوزبكستان أن هذه الشركات تغمر السوق بأسمنت بأسعار منخفضة جدًا، ما أدى إلى إغلاق نحو نصف مصانع الأسمنت المحلية، وبقاء 24 مصنعًا فقط، من بينها 9 مملوكة لشركات صينية.
تواجه الصين اليوم تحديًا مركبًا بين تحصيل ديونها دون المساس بالعلاقات الاستراتيجية مع دول آسيا الوسطى الحيوية، وفي الوقت ذاته التعامل مع ضغوط داخلية لتعزيز السيولة في مؤسساتها شبه التجارية. الضغط المفرط قد يؤدي إلى نتائج عكسية، لذلك تبقى السياسة الصينية متوازنة بين تحصيل المستحقات وحفظ نفوذها الإقليمي.