Bitget Banner
الاقتصادية

الشركات الكبرى بين هيمنة التكنولوجيا ومخاطر التحولات الجيوسياسية

تشهد الشركات الكبرى ازدهاراً في ظل تقاطع ثلاثة عوامل رئيسية: التقدم التكنولوجي السريع، التحولات الجيوسياسية، والاتجاهات الاقتصادية التي تفضل الحجم والمرونة في آنٍ واحد.

لكن يبقى السؤال: هل تتيح هذه البيئة الديناميكية للشركات الكبيرة الأفضلية الحقيقية على منافساتها الأصغر؟

يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً محورياً في تعزيز هيمنة الشركات الكبرى، حيث تمنحها قدرات تقنية متقدمة تمكنها من التفوق على الشركات الأصغر.

بالإضافة إلى ذلك، تؤثر الحروب التجارية، التي انطلقت بقوة في عهد إدارة ترامب، على مشهد الأعمال العالمي، مما يبرز أهمية النفوذ السياسي والمرونة في مواجهة التحديات.

ومع ذلك، فإن هذه الاضطرابات تحمل في طياتها أيضاً تهديدات مباشرة للشركات الكبرى، التي قد تصبح أهدافاً لمواقف سياسية حادة.

executiveleadership #geopoliticalrisk #corporateresilience | Beth  Martin-Board

يتجلى هذا التباين بوضوح في أداء الأسواق المالية؛ إذ تراجع مؤشر “راسل 2000” للشركات الصغيرة المدرجة بنسبة 12% منذ تولي ترامب الرئاسة، في حين انخفض مؤشر “ستاندرد آند بورز 100” الخاص بالشركات الكبرى بنسبة 4% فقط.

من ناحية أخرى، تواجه الشركات الكبرى مخاطر متزايدة بسبب اعتمادها الكبير على الأسواق الخارجية، حيث تمثل صادراتها نسبة 23% من مبيعاتها، مقارنة بنسبة 7% فقط لدى الشركات الصغيرة. ما يجعلها أكثر عرضة لتأثيرات الحرب التجارية على التجارة الدولية.

مزايا تتمتع بها الشركات الكبرى بشكل عام

الميزة

التوضيح

وفورات الحجم

تستفيد الشركات الكبرى من وفورات الحجم بما يسمح لها بتوزيع التكاليف الثابتة على الإنتاج الأكبر والتفاوض للحصول على شروط أفضل مع الموردين، والاستثمار في الأصول غير الملموسة مثل البرمجيات والملكية الفكرية.

وهو ما يوسع فجوة الربحية بين الشركات الكبيرة والصغيرة.

الوصول لرأس المال

يمكن للشركات الكبيرة جمع الأموال بتكلفة أقل من خلال أسواق الأسهم والسندات.

تنوع سلاسل التوريد

تتمتع الشركات الكبرى بسلاسل توريد متنوعة عبر عدة دول، وهو ما يجعلها أكثر مرونة في مواجهة التغيرات أو الاضطرابات.

التأثير والنفوذ

غالبًا ما تتمتع الشركات الكبرى بقنوات تواصل ونفوذ للتأثير والضغط ووضع معايير للقطاع الذي تعمل به، ما يمنحها ميزة أفضل مقارنة بمنافسيها الأصغر.

 

ولعل النفوذ السياسي الذي تحظى به الشركات الكبيرة لا يشكل دائماً ميزة، إذ شهدت بعض العلامات التجارية الكبرى مثل “وول مارت” و”آبل” تهديدات مباشرة من إدارة ترامب، سواء عبر فرض تعريفات جمركية مرتفعة أو الضغط على توسعاتها الدولية، مثل خطط آبل لتوسيع سلاسل توريدها في الهند.

في المقابل، تقوم العديد من الشركات الصغيرة بإجراء تغييرات في سلاسل التوريد الخاصة بها، لكنها غالباً ما تظل بعيدة عن دائرة اهتمام الرقابة السياسية الصارمة.

هل الشركات الكبرى في وضع أفضل مع تغير بيئة الأعمال؟ 

التغيرات الرئيسية

التوضيح

التطور التقني

ربما ينظر للشركات الكبرى على أنها غارقة في البيروقراطية لدرجة تمنعها من الاستفادة من التطور التقني، لكن الواقع عكس ذلك، لأن حجمها يسمح لها باستثمار أموال أكبر كثيرًا عن منافسيها الأصغر.

بالفعل وفر أكبر المصارف الأمريكية “جيه بي مورجان” أدوات الذكاء الاصطناعي لأغلب موظفيه البالغ عددهم 320 ألفًا، كما تزعم أكبر شركة تأمين طبي في البلاد “يونايتد هيلث” أن لديها ألف تطبيق مختلف للتقنية.

أما الشركات الأصغر التي تتراوح إيراداتها بين 500 مليون و5 مليارات دولار، فخصصت 9 ملايين دولار فقط، بزيادة حوالي الثلثين في نفس الفترة.

أوضح “سانجسن بيكانيك” المسؤول لدى “باين” أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي بكفاءة يعتبر أكثر تكلفة مقارنة بالأنواع الأخرى من التقنيات الرقمية، لأنه يتطلب من الشركات تنظيم بياناتها وتعديل نماذجها، وهو ما يمنح الشركات الكبرى ميزة إضافية تتمثل في مجموعات بيانات أكبر يمكن استخدامها لتحسين الأنظمة التقنية التي تتبناها.

الحرب التجارية

حجم الشركات الضخم يعتبر ميزة أيضًا فيما يتعلق بالسياسة، لأنه في حال أجندة “ترامب” الجمركية التي تفرض حالة من عدم اليقين وتهدد بإلحاق الضرر بمبيعات وأرباح العديد من الشركات، فإن الكيانات الكبرى تكون أكثر مرونة في مواجهة مثل هذه الصدمات، إلى جانب نقطة أخرى هامة وهي رأس المال السياسي.

 نظرًا لهوامش الأرباح الأعلى والسيولة النقدية الأكبر التي تحتفظ بها، تصبح الشركات الكبرى أقل عرضة للمشاكل المالية التي تصيب الأعمال التجارية في فترات الركود، كما تسمح لها أيضًا بالتعافي بوتيرة أسرع، كما حدث بعد الوباء.

أشار تقرير “الإيكونومست” إلى أن في سبعة من تسعة قطاعات غير مالية، كانت أكبر الشركات من حيث الإيرادات والأعلى ربحية في 2023 و2024، مقارنة بما كانت عليه في عامي 2018 و2019، بينما أصبحت الشركات الخمس الأصغر حجمًا أقل ربحية.

يوفر الحجم الكبير للشركات مرونة أكبر في سلاسل التوريد، وهو ما يساعد بصورة كبيرة في الحرب التجارية الحالية، وخاصة مع تسارع الشركات لاستيراد المنتجات إلى أمريكا قبل دخول التعريفات الجمركية حيز التنفيذ.

إدارة ترامب

تحظى الشركات الكبرى باهتمام أكبر من الإدارة السياسية  في أمريكا، وخاصة تلك التي تعد باستثمارات ضخمة.

وحضر حفل تنصيب “ترامب” قادة العديد من كبرى شركات التكنولوجيا منها “ألفابت” و”آبل” و”تسلا” و”أمازون” و”أوبن إيه آي”، في علامة على مدى تأثيرهم على الساحة السياسية، حتى إن الرئيس السابق “بايدن” حذر من أن أمريكا أصبحت عبارة عن مجموعة من مليارديرات التكنولوجيا يمارسون مستويات خطيرة من النفوذ.

وأصبح للملياردير “إيلون ماسك” المدير التنفيذي لـ “تسلا” و”سبيس إكس” دور سياسي في إدارة “ترامب” وتولى قيادة “إدارة كفاءة الحكومة”، وشارك في اجتماعات تعقد في البيت الأبيض.

وعندما اندلعت الحرب التجارية، التقى “ترامب” مع رؤساء ثلاث شركات كبرى في قطاع البيع بالتجزئة وهي “هوم ديبوت” و”تارجت” و”وول مارت” من أجل مناقشة مخاوفهم المتعلقة بالرسوم الجمركية، في حين لم تحظ الشركات الأصغر حجمًا بمثل هذا الاهتمام.

 

ختاماً، في ظل بيئة أعمال مليئة بعدم اليقين، لا بد للشركات من مواكبة التطورات التكنولوجية المستمرة ودمجها بفعالية في استراتيجياتها، بالإضافة إلى الاستعداد للتغيرات السياسية والتجارية التي قد تعصف بسلاسل التوريد العالمية.

ويبقى التساؤل: هل تؤمن الشركات الكبرى لنفسها حصانة فعلية بفضل حجمها، أم أن تعقيدات البيئة الحالية تفرض عليها تحديات لا تقل عن تلك التي تواجهها الشركات الأصغر؟

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى