الاقتصادية

“الشراء عند الهبوط” في عالم متغير: متى تصبح فرصة ومتى تحذيرًا؟

لطالما اعتبرت قاعدة “اشترِ عند الهبوط” بمثابة دليل المستثمرين في أسواق المال، حيث يُنظر إلى أي تراجع في الأسعار على أنه فرصة للشراء قبل موجة صعود جديدة.

لكن في ظل تحولات الأسواق الحديثة، من تغيرات في أسعار الفائدة إلى سيولة متقلبة وازدياد تأثير المتداولين الأفراد، أصبح تطبيق هذه القاعدة أكثر تعقيدًا وتحديًا.

في العقود الماضية، كانت الأسواق تميل إلى مكافأة من يستغل فترات الانخفاض المؤقتة. لكن التغيرات الأخيرة في البيئة المالية العالمية جعلت هذه الاستراتيجية أقل وضوحًا وأكثر مخاطرة.

على سبيل المثال، انخفاض أسعار الفائدة لفترات طويلة جعل الأسهم خيارًا جذابًا حتى عند تقلب الأرباح، بينما أدت زيادات الفائدة منذ 2022 إلى رفع تكلفة الفرص البديلة وتقليل جاذبية الأسهم، ما جعل الأسواق أكثر حساسية لأي إشارات سلبية بشأن أرباح الشركات أو توقعاتها المستقبلية.

Why “Buying the Dip” Is Ruining Your Portfolio | by Ankit Das | ILLUMINATION | Medium

كما أن الترابط العالي بين الأسواق والمؤسسات المالية جعل العدوى تنتقل بسرعة، كما تجسد في أزمة البنوك الإقليمية الأمريكية عام 2023، حين أدى انهيار بنك فيرست ريبابليك إلى موجة واسعة من القلق والاضطراب في القطاع، رغم أن الأزمة بدأت في زاوية محدودة من السوق.

مع تزايد نشاط المتداولين الأفراد، أصبحت التحركات الجماعية قادرة على دفع الأسعار صعودًا أو هبوطًا بشكل سريع، ما جعل الهبوط لم يعد مؤشرًا واضحًا للشراء كما كان سابقًا، بل أصبح جزءًا من سلسلة من التقلبات يصعب التنبؤ بها.

نجاح استراتيجية “الشراء عند الهبوط” يعتمد على طبيعة السبب وراء الانخفاض. ففي مارس 2020، حين اجتاحت جائحة كوفيد الأسواق، كانت الانخفاضات مؤقتة وسرعان ما تبعها صعود قوي بفضل التدخلات الحكومية وحزم التحفيز، ما أعاد الثقة بسرعة.

Just buy the dip: Brave investors have been rewarded during a turbulent first half of 2025

في المقابل، الانخفاضات الناتجة عن تغييرات جوهرية في تقييم الشركات أو هيكل السوق، مثل موجة رفع أسعار الفائدة الأمريكية عام 2022 أو أزمة بنك باك ويست بانكورب 2023، غالبًا ما أدت إلى ارتدادات محدودة أو بطيئة، ما يجعل الشراء الفوري محفوفًا بالمخاطر.

اليوم، لم يعد كافيًا شراء أي أصل بمجرد تراجع سعره، بل يجب تقييم أسباب الانخفاض وطبيعته. يمكن اتباع نهج تدريجي ومدروس، مع التمييز بين الهبوط المؤقت الناتج عن ذعر مؤقت والهبوط العميق الناتج عن إعادة تقييم حقيقية.

كما يُستحسن توزيع المشتريات على مراحل وتقليل الاعتماد على سهم واحد فقط، مع التركيز على الشركات ذات الأساس المالي القوي والديون المنخفضة والسيولة الجيدة، والاحتفاظ بجزء من السيولة لمواجهة فترات التقلب.

في النهاية، قاعدة “اشترِ عند كل هبوط” لم تختفِ، لكنها تطورت: المستثمر الذكي اليوم لا يركض وراء كل انخفاض، بل يفهم أسبابه ويبني قراراته على تحليل دقيق ورؤية طويلة الأجل. فالنجاح في الأسواق ليس بمن يشتري أسرع، بل بمن يعرف لماذا هبطت الأسعار قبل أن يقرر التحرك.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى