تعد الشائعات من الظواهر التي تلعب دورًا بارزًا في أسواق المال، حيث يمكن أن تؤدي إلى تغييرات مفاجئة في الأسعار وحجم التداولات.
في العديد من الأحيان، تتحول هذه الشائعات من مجرد إشاعات إلى محركات رئيسية لتحركات السوق، ما يجعل التداول يتجاوز كونه مجرد شراء وبيع للأسهم ليصبح لعبة استراتيجية يديرها من يمتلكون القدرة على تحويل الأكاذيب إلى أرباح ضخمة، بينما يغرق آخرون في بحر الخسائر الفادحة.
في كتابه “الأوهام الشعبية والهذيان الجماهيري”، تناول “تشارلز ماكاي” تأثير الشائعات والأوهام على تحركات الأسواق، مشيرًا إلى أن هذه الظواهر قد تؤدي إلى فقاعات اقتصادية تتسبب في ارتفاعات وانهيارات مفاجئة للأسعار.
وقد حث “ماكاي” في نهاية الكتاب على ضرورة التحلي بالوعي النقدي وعدم الانجرار وراء الشائعات التي قد تسيطر على الجماهير، داعيًا إلى ضرورة التحقق من المعلومات قبل اتخاذ أي قرارات في الأسواق المالية.
ولم يكن “ماكاي” الوحيد الذي تناول هذا الموضوع، فقد استعرض العديد من الخبراء الاقتصاديين مثل “تشارلز كيندلبرجر” في كتابه “الهوس المالي، الذعر والانهيارات” تاريخ الأزمات المالية التي نشأت بسبب الشائعات والمضاربات.
كما قام “روبرت شيلر” في “الحماس اللاعقلاني” بتحليل كيف أن الشائعات والتحيزات النفسية قد تدفع المستثمرين إلى اتخاذ قرارات غير منطقية تضر بأسواق المال.
الشائعات في أسواق المال هي أخبار أو معلومات غير مؤكدة تنتشر بسرعة بين المستثمرين، وعادةً ما تكون هذه الأخبار غير موثوقة أو تعتمد على تقارير غير دقيقة.
و يمكن أن تؤدي هذه الشائعات إلى تحركات مفاجئة في الأسواق، خاصة في حالات الاضطراب أو عدم اليقين.
على الرغم من أن بعض الشائعات قد تستند إلى حقائق جزئية، إلا أنها غالبًا ما تكون مشوهة أو زائفة بالكامل. تشمل أنواع الشائعات الأكثر تأثيرًا أخبار الاندماجات، الاستحواذات، تغييرات في الإدارة، أو حتى توقعات بخصوص معدلات التضخم والفائدة.
على سبيل المثال، عندما ظهرت شائعة حول استحواذ “إيلون ماسك” على منصة “إكس” (تويتر سابقًا)، ارتفع سعر السهم بنسبة 25% قبل تأكيد الصفقة، مستفيدين من هذه الزيادة مؤقتًا قبل أن تعود الأسعار إلى وضعها الطبيعي.
كما يمكن أن تكون الشائعات متعلقة بالقضايا الجيوسياسية مثل النزاعات السياسية أو التغييرات التنظيمية، ما يؤثر بشكل كبير على أداء الأسواق. في إحدى الحالات، انخفض سعر سهم شركة “علي بابا” بنحو 12% إثر شائعات حول تدخل الحكومة الصينية في إدارة الشركة.
بعض المستثمرين يتقنون استغلال التقلبات السعرية الناتجة عن الشائعات لتحقيق أرباح سريعة من خلال استراتيجيات متعددة. من أبرز هذه الاستراتيجيات:
التداول قصير الأجل: حيث يستغل المتداولون التقلبات السعرية المفاجئة لشراء الأسهم عند انخفاض الأسعار نتيجة لشائعة سلبية، ثم بيعها مرة أخرى عندما تعود الأسعار إلى مستوياتها الطبيعية.
استراتيجية فروقات الأسواق: في حال انتشار الشائعات بشكل غير متساوٍ بين الأسواق أو المناطق، يمكن للمستثمرين استغلال الفجوات السعرية عبر شراء الأصول ذات القيمة المنخفضة في سوق ما وبيعها في سوق آخر.
الاستفادة من المعلومات الداخلية: يستغل بعض المتداولين المعلومات الداخلية التي لم تصبح عامة بعد، وينشرون شائعات لتحريك الأسواق لصالحهم. لكن هذه الممارسة غالبًا ما تكون غير قانونية في العديد من الدول.
مخالفة سلوك القطيع: بعض المستثمرين يتخذون مواقف معاكسة للأغلبية، مستفيدين من تصحيح الأسواق بعد اكتشاف أن الشائعة كانت خاطئة.
تضخيم الشائعات: يستخدم البعض وسائل التواصل الاجتماعي لتضخيم الشائعات بسرعة، ما يؤدي إلى ردود فعل سوقية متسارعة يمكن استغلالها لتحقيق أرباح.
نشر الشائعات في أسواق المال قد يؤدي إلى أضرار جسيمة ليس فقط على المستثمرين، بل أيضًا على الشركات المدرجة في البورصات.
و في أكتوبر 2016، نشر شخص مجهول مقالًا على موقع “سيكينج ألفا” يزعم أن مديري “بنك أوف كاليفورنيا” لهم علاقات مشبوهة، ما أدى إلى خسارة السهم 29% من قيمته في يوم واحد، على الرغم من أن التحقيقات أثبتت عدم صحة الادعاءات.
هذا المثال يوضح مدى خطورة الشائعات، حيث يمكن أن تؤدي إلى انهيار الأسعار وفقدان الثقة في الأسواق. رغم محاولات العديد من الدول سن قوانين لحماية أسواقها المالية من تأثير الشائعات، إلا أن هذه الظاهرة لا تزال تتحدى الأنظمة.
بينما قد تكون هناك فرص لتحقيق أرباح سريعة من الشائعات في أسواق المال، فإن هذه الاستراتيجيات تحمل في طياتها مخاطر قانونية وأخلاقية.
وعلى الرغم من أن التداول بناءً على الشائعات قد يوفر بعض المكاسب القصيرة المدى، إلا أن هذه الممارسات قد تؤدي إلى زعزعة استقرار الأسواق وتكبيد المستثمرين خسائر ضخمة.
الأمر الذي يستدعي من الهيئات الرقابية في الأسواق المالية اتخاذ إجراءات صارمة لمكافحة مثل هذه الممارسات وضمان الشفافية والمصداقية في المعلومات المتاحة.
