السياحة العلاجية: خيار متزايد للمسنين بحثًا عن الرعاية الصحية بأسعار معقولة

عندما احتاج السيد “جوناثان”، البالغ من العمر 72 عامًا، لإجراء جراحة استبدال الركبة في المملكة المتحدة، اكتشف أن قائمة الانتظار في التأمين الصحي كانت طويلة جدًا.

وبحثًا عن حل، قرر “جوناثان” السعي لإجراء الجراحة خارج دائرة التأمين، لكنه شعر بالإحباط بعد أن اكتشف أن تكلفة العملية تصل إلى نحو 30 ألف جنيه إسترليني (37.8 ألف دولار أمريكي)، وهو مبلغ يتجاوز إمكانياته المالية كمتقاعد.

ومع مواصلته للبحث، اكتشف “جوناثان” خيارًا غير متوقع: السفر إلى تايلاند لإجراء الجراحة بتكلفة لا تتجاوز 10 آلاف جنيه إسترليني (12.6 ألف دولار أمريكي)، وهي تشمل العملية، والإقامة في المستشفى، وفترة التعافي في منتجع صحي.

وبالفعل، بعد وصوله إلى تايلاند، خضع لعملية الركبة في مستشفى حديث تحت إشراف أطباء مدربين دوليًا، حيث أُعجب بجودة الرعاية الطبية وسرعة الاستجابة لاحتياجاته.

كما استفاد من فرصة الإقامة في منتجع صحي، ما ساعده على التعافي بسرعة وبتكاليف أقل بكثير مما كان سيدفعه في وطنه.

تجربة “جوناثان” لم تكن استثنائية، بل تُمثل جزءًا من توجه عالمي متزايد نحو السياحة العلاجية. فالكثير من المرضى، خاصة كبار السن، بدأوا في البحث عن خيارات طبية عالية الجودة بأسعار معقولة في دول خارج بلدانهم الأصلية.

من المتوقع أن يصل حجم سوق السياحة العلاجية إلى 93.72 مليار دولار أمريكي في 2025، مع معدل نمو سنوي قدره 18.4% ليصل إلى 218.16 مليار دولار بحلول 2030، وفقًا لتقرير “موردر إنتليجينس”.

ويعود هذا النمو إلى ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية في الدول المتقدمة، فضلاً عن تقدم التكنولوجيا الطبية في الدول النامية.

توقعات النمو تعززها الاستحواذات بين الشركات الكبرى مثل صفقة “إيز ماي تريب” في سبتمبر 2024، التي دخلت من خلالها قطاع السياحة العلاجية عبر دمج خدمات الرعاية الصحية والعافية مع عروضها السياحية.

وفي عام 2024، سجل عدد المسافرين للعلاج الطبي نحو 7.3 مليون شخص، وهو ارتفاع عن 6.1 مليون في 2023. ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ استحوذت على أكبر حصة سوقية بنسبة تزيد عن 25.5%.

تعتبر بعض البلدان في آسيا مثل الهند وتايلاند وماليزيا وجهات جاذبة للعلاج الطبي بأسعار معقولة. الهند مشهورة بجراحات القلب وزراعة الأعضاء، بينما تقدم تايلاند إجراءات تجميلية وعلاجات الأسنان بأسعار منخفضة.

كما أن ماليزيا تقدم خدمات طبية عالية الجودة، خاصة في مجالات طب القلب والأورام.

أما في أوروبا، أصبحت بلدان مثل المجر وبولندا وتركيا وجهات رئيسية لعلاج المرضى الأوروبيين الذين يبحثون عن العلاجات التجميلية وطب الأسنان بأسعار منخفضة.

كبار السن هم الفئة الأكثر استفادة من السياحة العلاجية، حيث تكاليف العلاج المرتفعة في بلدانهم الأصلية تدفعهم للبحث عن بدائل أرخص. في الهند، على سبيل المثال، تتراوح تكلفة علاج السرطان بين 7 و11 ألف دولار أمريكي، في حين تتجاوز تكلفة العلاج في الولايات المتحدة 100 ألف دولار.

الدول النامية تقدم خدمات طبية بأسعار منخفضة مقارنة بالدول المتقدمة، بفضل انخفاض أجور العمالة وتكلفة العمليات الإدارية. كما أن العديد من هذه الدول تقدم حوافز ضريبية وتسهيلات في التأشيرات لتشجيع السياحة العلاجية.

مقارنة بين متوسط أسعار العمليات الطبية الشائعة في أوروبا مقارنة بآسيا

رغم فوائد السياحة العلاجية، إلا أن هناك تحديات يواجهها المرضى، خاصة كبار السن. أولاً، هناك خطر صحي أثناء السفر، إذ قد يمثل السفر لمسافات طويلة إرهاقًا لكبار السن الذين يعانون من أمراض مزمنة.

كما أن معايير الرعاية الصحية قد تختلف من بلد إلى آخر، مما يعرض المرضى لمخاطر محتملة. بالإضافة إلى ذلك، فإن هناك نفقات إضافية مثل تذاكر السفر، والإقامة، وتكاليف المرافقين، قد تزيد من تكلفة العلاج الإجمالية.

تعتبر مشكلة اللغة أيضًا من التحديات الكبيرة في السياحة العلاجية، حيث قد يكون التواصل بين المرضى والأطباء صعبًا، مما يؤدي إلى سوء الفهم في التشخيص أو العلاج.

كما أن قضايا المسؤولية الطبية تعتبر مصدر قلق كبير، حيث قد يواجه المرضى صعوبة في المطالبة بتعويضات في حال حدوث أخطاء طبية.

رغم التحديات التي قد يواجهها المسافرون في مجال السياحة العلاجية، إلا أنها تظل خيارًا واعدًا للعديد من المرضى الباحثين عن رعاية طبية عالية الجودة بأسعار معقولة. ومع استمرار تطور هذا القطاع، من المحتمل أن نشهد المزيد من الحلول التي تضمن أمان المرضى وتحسن من تجربتهم.