Bitget Banner
الاقتصاديةالأسهم

السوق الأمريكي للأسهم بين تضخم المضاعفات وتركيز الملكية: هل نعيش “وفرة غير عقلانية”؟

وصف الملياردير الأمريكي بيل جيتس، في حديث تلفزيوني مع فريد زكريا، الوضع الاقتصادي الحالي في الولايات المتحدة بأنه يعاني من “حالة كبيرة من عدم اليقين”، مشددًا على أن بناء مشروع صناعي ناجح يتطلب وضوحًا في السياسات الاقتصادية لعشرين عامًا قادمة، وليس مجرد رؤية قصيرة المدى لأيام أو سنوات قليلة.

هذه الحالة تعكس واقعًا معقدًا يعيشه الاقتصاد الأمريكي، مع تحديات عدة في ظل تغييرات متسارعة وسياسات غير مستقرة.

رغم ذلك، شهد سوق الأسهم الأمريكي تعافيًا ملحوظًا من خسائره الحادة التي نتجت عن قرارات الرئيس دونالد ترامب في بداية أبريل، حيث هبط مؤشر “ستاندرد أند بورز 500” من أكثر من 6000 نقطة إلى أقل من 5000 نقطة في أسبوع واحد فقط، قبل أن يعاود الصعود إلى 5800 نقطة بنهاية مايو.

هذا التعافي السريع أثار تساؤلات حول مدى منطقية تقييم السوق، خصوصًا مع استمرار عوامل عدم اليقين مثل النزاعات التجارية، واضطرابات سلاسل التوريد، والتوترات الجيوسياسية التي لم تتلاشى.

تتسم أسواق الأسهم العالمية بتفاوتات واضحة في مضاعف الربحية، حيث يبلغ متوسط مضاعف الربحية لمؤشر “ستاندرد أند بورز 500” ما بين 26 و28 منذ بداية 2025، في مقابل 25 في الهند، و20 في كندا، و10 فقط في الصين.

ومن اللافت أن السوق الأمريكي شهد مضاعف ربحية وصل إلى 120 قبل أزمة 2009، وهو رقم بعيد عن الواقع العملي لنمو الشركات، خاصة في اقتصادات متقدمة ومستقرة.

01e18079 12b0 4728 9844 ab9b4ebdbfa4 Detafour

ويزداد الغموض عندما نقارن توقعات النمو الاقتصادي بين هذه الدول، إذ يتوقع الاقتصاد الأمريكي نموًا سنويًا حوالي 1.4% لعام 2025، مقابل 7% للهند، و4.8-5% للصين، مما يثير تساؤلات حول أسباب تضخم مضاعف الربحية في أمريكا مقارنة بهذه الأرقام المتواضعة للنمو.

من الأسباب الأساسية لهذا التضخم المفرط في السوق الأمريكي هو انتشار “متلازمة الدائرة المفرغة” بين أكثر من 66% من المستثمرين، حيث يسعون إلى تحليل منطقي للبيانات لكن ينتهون بالاعتماد على آراء الآخرين، سواء كانوا وسطاء، أو مؤثرين في وسائل التواصل، أو تطبيقات ذكاء اصطناعي.

هذه الظاهرة، رغم وجودها عالميًا، تتجلى بشكل أقوى في الولايات المتحدة بسبب كثافة الإعلام وتأثيره الكبير على توجهات السوق.

يضاف إلى ذلك أن 1% من أغنى الأمريكيين يمتلكون أكثر من 50% من الأسهم، مما يمنحهم القدرة على توجيه تحركات السوق والسيطرة على توجهاته، مما يضمن لهم الحفاظ على ثرواتهم وتعزيزها حتى في أوقات الأزمات.

المحللة إيرينا إيفانوفا من مجلة “فورتشن” تشير إلى أن تحركات السوق في عام 2023 كانت مدفوعة إلى حد كبير بواسطة هذه الطبقة الصغيرة من كبار المستثمرين الذين يطلق عليهم “القطط السمان”، الذين يمتلكون نسبًا كبيرة من الأسهم ويؤثرون على السوق دون أسباب تقليدية واضحة.

هذه السيطرة انعكست في ارتفاع نسبة امتلاك أغنى 1% من الأمريكيين للأسهم من 40% عام 2002 إلى 54% عام 2024، ما يعكس تركيزًا متزايدًا للثروات في أيدي قلة قليلة، مدعومة أيضًا بصناديق إدارة الأصول الضخمة وصناديق التقاعد.

تعد شركة “تسلا” المثال الأبرز على تقلبات الأسهم الأمريكية غير المبررة اقتصاديًا، حيث شهد سهم الشركة انخفاضًا حادًا بنسبة 73% بين نوفمبر 2021 و دجنبر 2022 بسبب مشاكل في سلاسل التوريد وأزمات متعلقة بإدارة إيلون ماسك، لكنه ارتفع بنسبة 91% بين مايو 2024 ومايو 2025 رغم تصاعد التحديات التي تواجهها الشركة من منافسة شرسة خاصة من الشركات الصينية، وتراجع ثقة بعض المستهلكين، وأحداث عنف ضد منشآتها.

2e3847ac 529a 4174 b13a 1d7642f1770f Detafour

كما أن مضاعف ربحية “تسلا” بلغ مستويات قياسية تجاوزت 200 في بعض الفترات، وهو رقم يعكس توقعات بنمو غير واقعي لإيرادات الشركة في ظل تلك التحديات.

يأتي تركيز ملكية أسهم “تسلا” أيضًا متوافقًا مع ظاهرة تركيز الثروة، حيث يمتلك ماسك حوالي 13% من الأسهم، فيما تمتلك كبرى شركات إدارة الأصول مثل “فانغارد”، و”بلاك روك”، و”ستيت ستريت” معًا حوالي 17%.

تجسد السوق الأمريكي للأسهم اليوم نموذجًا معقدًا يجمع بين عدم اليقين السياسي والاقتصادي، تركيز الثروة في أيدي قلة من كبار المستثمرين، وتأثيرات إعلامية تساهم في تحركات السوق غير العقلانية أحيانًا. هذه العوامل مجتمعة تخلق حالة من “الوفرة غير العقلانية” في السوق، كما وصفها رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأسبق آلان جرينسبان، مما يطرح تساؤلات مهمة حول مستقبل هذا السوق ودوره في الاقتصاد العالمي.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى