الاقتصاديةالتكنولوجيا

الذكاء الاصطناعي يعيد رسم ملامح الاقتصاد الأمريكي وسط تحديات محتملة

يشهد الاقتصاد الأمريكي تحولًا واضحًا، ليس بفعل الاستهلاك أو الإنفاق الحكومي، بل بفضل موجة غير مسبوقة من الاستثمارات في تقنيات الذكاء الاصطناعي.

هذه التقنية باتت اليوم قوة دافعة وراء النمو، في وقت تواجه فيه الأسواق ضغوط الرسوم الجمركية وارتفاع تكاليف المعيشة التي تثقل كاهل المستهلكين.

تظهر بيانات بنك “باركليز” أن الذكاء الاصطناعي ساهم بما يقارب 0.8% في نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال النصف الأول من عام 2025، وهو رقم كافٍ لتفادي ركود محتمل.

وأكد تقرير “جيه بي مورجان” أن النفقات الرأسمالية المرتبطة بهذا القطاع ساهمت بنحو 1.1% في النمو، متجاوزة بذلك لأول مرة مساهمة الإنفاق الاستهلاكي التقليدي.

شهدت الولايات المتحدة طفرة في إنشاء مراكز البيانات، حيث أفاد الباحث الاقتصادي بول كيدروسكي من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن الإنفاق على هذه المراكز يقترب من 2% من إجمالي الناتج المحلي منذ عام 2022.

ويضيف بن كابلان، المدير الإداري لقسم التكنولوجيا في “ترنر كونستراكشن”، أن إنشاء مركز بيانات جديد يستوعب ما بين 100 و5000 موظف، وهو ما جعل القطاع يشكل حوالي 35% من إجمالي مشاريع الإنشاءات، مقارنة بـ13% قبل خمس سنوات فقط.

رغم حجم الاستثمارات الضخم، تبقى العوائد التشغيلية للمشاريع منخفضة، كما أن مراكز البيانات لا توفر فرص عمل كبيرة بعد اكتمال التشغيل. وبرزت اختناقات في سلاسل الإمداد، شملت توريد المولدات الكهربائية ووحدات التوزيع والرقائق، ما كشف عن هشاشة بعض البنية التحتية في القطاع.

حذر كبير الاقتصاديين في بنك “باركليز”، جوناثان ميلار، من أن التوسع الكبير في الاستثمار بالذكاء الاصطناعي قد يعرّض الاقتصاد لصدمة إذا انفجرت فقاعة أسهم شركات التكنولوجيا.

ووفق البنك، فإن انخفاض سوق الأسهم بنسبة تتراوح بين 20% و30% قد يقلل النمو الاقتصادي بمعدل 1% إلى 1.5% خلال عام، مع احتمال تراجع إضافي إذا توقفت الاستثمارات في القطاع.

يُظهر الاقتصاد الأمريكي مشهدًا مزدوج السرعة: حيث تشهد قطاعات التكنولوجيا طفرة كبيرة، بينما تعاني القطاعات التقليدية من ركود متواصل.

وأشار “دويتشه بنك” إلى أن الاستثمار الخاص خارج مشاريع الذكاء الاصطناعي ظل شبه ثابت منذ عام 2019، في حين تعاني مستويات الإنفاق الاستهلاكي من التباطؤ.

وأكد بيتر بيريزين، كبير الاقتصاديين في “بي سي إيه ريسيرش”، أن الاقتصاد الأمريكي كان ليغرق في الركود لولا الانتعاش الناجم عن الذكاء الاصطناعي.

مع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي واتساع نطاق استخدامه، من المتوقع أن تستمر الشركات الأمريكية في ضخ المزيد من الاستثمارات في مراكز البيانات والرقائق المرتبطة به.

إلا أن الاعتماد المفرط على هذا القطاع يطرح تحديات كبيرة، خصوصًا مع هشاشة سوق العمل وضعف الإنفاق الاستهلاكي، مما يضع صناع السياسات أمام تحدٍ مزدوج بين دعم الابتكار وحماية الاستقرار الاقتصادي.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى