الاقتصادية

الذكاء الاصطناعي يعيد رسم مستقبل النفط.. بين تعزيز الإمدادات وإرباك التحول الطاقي

يفتح الذكاء الاصطناعي فصلًا جديدًا في صناعة الطاقة العالمية، بعدما قدّمت شركة الاستشارات «وود ماكنزي» تقديرًا مثيرًا للجدل مفاده أن هذه التكنولوجيا قد تمكّن القطاع من استخراج ما يصل إلى تريليون برميل إضافي من النفط، ليس عبر اكتشافات جديدة، بل من خلال جعل احتياطيات قائمة أكثر جدوى من الناحية الاقتصادية.

و توقعٌ أعاد إشعال النقاش حول الدور الحقيقي للذكاء الاصطناعي: هل سيكون رافعة لتسريع الانتقال إلى طاقة أنظف، أم أداة تطيل عمر النفط والغاز في مزيج الطاقة العالمي؟

من زاوية الشركات المنتجة، يبدو الجواب واضحًا. فالذكاء الاصطناعي يُنظر إليه كعامل تمكين أساسي، يساهم في خفض التكاليف، ورفع كفاءة الحفر، وتحسين إدارة المكامن، ما يسمح باستمرار الإنتاج لفترة أطول وبعوائد أفضل.

وفي سياق يتزايد فيه القلق بشأن أمن الطاقة، اكتسب هذا الدور أهمية مضاعفة، خصوصًا بعد مراجعات واسعة لتوقعات الطلب العالمي.

حتى المؤسسات الدولية المعنية بالطاقة بدأت تُعيد حساباتها. فالوكالة الدولية للطاقة، التي راهنت سابقًا على بلوغ الطلب على النفط ذروته خلال هذا العقد، باتت تتوقع استمرار الدور المحوري للنفط ضمن مزيج الطاقة العالمي حتى عام 2050، في ضوء معطيات السوق والطلب الفعلي.

لكن الصورة تبدو مختلفة تمامًا لدى المدافعين عن المناخ. إذ يرون في الذكاء الاصطناعي «خصمًا غير متوقع» لجهود خفض الانبعاثات، بعدما تحوّل – بحسبهم – من أداة يُفترض أن تدعم الانتقال الطاقي إلى وسيلة تُعيد فتح أبواب الاحتياطيات التي كانت تُعد غير مجدية اقتصاديًا.

ونقلت منصة «أكسيوس» عن ناشطة مناخية قولها إن إنتاج الوقود الأحفوري كان يتجه ليصبح أكثر صعوبة وكلفة، قبل أن يأتي الذكاء الاصطناعي ويعيد إليه ربحيته.

ورغم أن ارتفاع تكاليف الإنتاج في عدد من المناطق لا يزال واقعًا بسبب التضخم وتراجع الإنتاجية الطبيعية للحقول، فإن معادلة النفط تاريخيًا ظلت محكومة بالطلب. وما دام الطلب متماسكًا، سيبقى العرض حاضرًا، مع فارق أن الذكاء الاصطناعي قد يمنح المنتجين أدوات أكثر دقة لتعظيم الاستخراج من الحقول القائمة.

اللافت أن توقعات «وود ماكنزي» نفسها نتاج استخدام الذكاء الاصطناعي. فقد طوّرت الشركة أداة تحليلية متقدمة تُعرف باسم «Analogues»، مكّنتها من تحديد المناطق الأكثر قابلية لتحقيق مكاسب إضافية ضمن الحقول المنتجة حاليًا.

وخلصت نتائجها إلى أن التقنيات الحالية، عند توظيفها بذكاء، قد تفتح المجال لاستخراج تريليون برميل إضافي من دون الحاجة إلى توسعات جغرافية كبرى.

وتأتي هذه التقديرات في وقت تتوقع فيه الشركة استمرار نمو الطلب العالمي على النفط حتى عام 2032 على الأقل، مؤكدة أن العالم لا يسير على المسار المطلوب لتحقيق أهداف اتفاق باريس للمناخ. والمفارقة أن الذكاء الاصطناعي، الذي يُفترض أن يساعد في خفض الانبعاثات، قد يفاقم المشكلة بسبب شهيته المتزايدة للطاقة.

AI Growth to Reshape 2025 Resilience, Baker CEO Warns of Slowing Oil  Investments Affecting Energy Sector

فمراكز البيانات التي تشغّل نماذج الذكاء الاصطناعي أصبحت لاعبًا رئيسيًا في معادلة الطلب على الكهرباء، مع حاجتها إلى إمدادات مستقرة وكبيرة. هذا الواقع دفع الأسواق إلى توقع ارتفاع الطلب على الغاز الطبيعي، بينما بدأت شركات المرافق التخطيط لمحطات توليد جديدة، وسط تحذيرات من اختناقات محتملة في الإمدادات ببعض الدول، مثل النرويج.

هذه التطورات أثارت قلق الأوساط البيئية، مع تسارع السباق نحو تأمين قدرات توليد أساسية تشمل الغاز والفحم والطاقة النووية. ومع ذلك، يرى جزء من القطاع أن الذكاء الاصطناعي قد يكون عنصرًا حاسمًا في تحديث شبكات الكهرباء، وتحسين كفاءة التوليد والتوزيع، والحفاظ على أسعار الطاقة ضمن مستويات مقبولة، حتى وإن لم تتحقق هذه الوعود على نطاق واسع بعد.

في المحصلة، يستمر الطلب العالمي على النفط في الصعود رغم التوسع في الطاقات المتجددة. وقد أظهرت البيانات الأخيرة زيادات ملحوظة في الاستهلاك على أساس شهري وسنوي، ما يعزز فرضية «الطلب الأقوى لفترة أطول».

وفي هذا السياق، يشير تحليل «وود ماكنزي» إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يضع سقفًا لأسعار النفط عبر تحسين الكفاءة وتقليص تكاليف الحفر، بما يضمن وفرة الإمدادات بأسعار أقل، ويؤجل – ربما – لحظة الفطام العالمي عن الوقود الأحفوري.

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى