الاقتصاديةالتكنولوجيا

الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل نظام تسعير تذاكر الطيران..بين التعقيد والجدل المستمر

في عالم السفر الجوي، يظل تسعير تذاكر الطيران لغزاً معقداً يثير حيرة المسافرين وينذر بتحديات مستمرة أمام حقوق المستهلكين.

لم تعد أسعار التذاكر تمثل مجرد أرقام ثابتة؛ بل تحولت إلى شبكة متشابكة من الرسوم الإضافية والتغيرات الديناميكية التي يصعب على الراكب العادي فهمها أو التنبؤ بها.

فالتذاكر التي تبدو في البداية مخفضة قد تكلف المسافر أكثر مما توقع نتيجة “التسعير بالتنقيط”، حيث يتم فرض رسوم جديدة على خدمات كانت مجانية في السابق، مثل إيداع الأمتعة أو تقديم الوجبات، وحتى اختيار المقاعد التي تضمن الجلوس بجانب أفراد العائلة أو الأصدقاء.

يزداد التعقيد مع تعدد فئات الأسعار الديناميكية التي تتغير باستمرار بناءً على عوامل عدة، ما يجعل محاولة تخطيط الرحلة والحصول على أفضل سعر أشبه بمحاولة الإمساك بالرياح.

في هذا السياق، كشفت مذكرة بحثية حديثة لم تُنشر من قبل عن تجربة جديدة تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي لتطوير نماذج تسعير أكثر تعقيداً وديناميكية.

أعد هذه الدراسة أوري يروشالمي، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة “فيتشر” (Fetcherr) الإسرائيلية الناشئة، والتي تقدم حلولاً ذكية لشركات طيران كبرى، بينها “دلتا إيرلاينز”.

تعتمد هذه النماذج على تقنيات ذكاء اصطناعي شبيهة بتلك المستخدمة في توليد الصور، لكنها بدلاً من ذلك تركز على تحليل بيانات السوق المعقدة لوضع استراتيجيات تسعير تزيد من الإيرادات بشكل كبير. ويسمي يروشالمي هذه المرحلة بـ”مرحلة الاستغلال”، حيث يتم استهداف الطلب والسلوكيات الفردية للمسافرين بشكل دقيق.

رغم الفعالية العالية لهذه النماذج في زيادة الأرباح، فإنها تثير مخاوف جدية بين المستهلكين والهيئات التنظيمية، خصوصاً مع إعلان “دلتا” عن استخدامها لنظام “فيتشر” في 3% من رحلاتها المحلية مع خطط لتوسيع هذه النسبة إلى 20% خلال العام الحالي.

وتعبر مجموعة من أعضاء الكونغرس الأمريكي عن مخاوفهم من أن تؤدي هذه التكنولوجيا إلى رفع غير مبرر في أسعار التذاكر، خصوصاً في ظل الأعباء الاقتصادية المتزايدة على العائلات.

وطرحت بعض المقترحات التشريعية لمنع ما يُعرف بـ”التسعير المعتمد على المراقبة” الذي يستند إلى تتبع البيانات الشخصية للمستهلكين.

وفي ردود فعل لاذعة، انتقدت شركات طيران منافسة مثل “أميركان إيرلاينز” هذه التقنيات، ووصفها رئيسها التنفيذي روبرت إيزوم بأنها “خدعة غير أخلاقية”، مؤكداً رفض شركته الاعتماد على هذه الأساليب، وهو موقف شاركت فيه أيضاً شركة “ساوث ويست”.

على الجانب الآخر، أكدت شركة “فيتشر” أن برنامجها لا يجمع أو يستخدم بيانات تعريف شخصية في تسعير التذاكر، وأن النظام يمكنه أيضاً المساعدة في خفض الأسعار خلال فترات ضعف الطلب.

بينما أوضحت “دلتا” أن النظام عبارة عن أداة دعم قرار تصدر توصيات بتعديل الأسعار في كلا الاتجاهين، دون تحديد أسعار فردية استناداً إلى بيانات العملاء الشخصية.

ومع ذلك، كشفت مصادر داخل “فيتشر” سابقاً عن خطط مستقبلية لاستخدام بيانات سلوكية وسياقية بهدف تطوير تسعير فردي أكثر تخصيصاً، ما أثار جدلاً واسعاً دفع الشركة لحذف تلك التصريحات مؤقتاً.

استقطبت هذه التقنية اهتمام المستثمرين الذين رأوا فيها فرصة لتعزيز كفاءة السوق عبر تقديم عروض أكثر دقة لكل مسافر في الوقت المناسب.

ومع كل هذه التطورات، يبقى السؤال حول مدى تأثير هذه النماذج الذكية على حقوق المستهلك وخصوصيته، خصوصاً مع تنامي استخدامها في قطاعات أخرى مثل تجارة التجزئة وتأجير السيارات.

وتحذر الباحثة ليندسي أوينز من أن صناعة الطيران ليست الوحيدة التي ستستخدم هذه التقنيات، ما يفتح باب النقاش حول حماية المستهلك في عصر الذكاء الاصطناعي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى