الاقتصادية

الذكاء الاصطناعي وتهديده للهيمنة البشرية في لعبة “جو”

إذا كنت تملك خبرة طويلة في مجال معين وقد أتيحت لك الفرصة لدراسته بعمق قبل أن تخوض غماره، فمن المؤكد أنك ستكون ذا دراية واسعة بهذا المجال.

لكن إذا كنت قد انغمست فيه على مدار آلاف السنين، فلا شك أنك ستكون المسيطر والمهيمن على قواعد اللعبة. هذه الفكرة قد تنطبق على الكثير من الأنشطة البشرية، لكن في عالم الألعاب، تتجلى في لعبة “جو” الصينية.

قبل نحو أربعة آلاف عام، ابتكر الصينيون لعبة “جو”، التي تُعد أقدم لعبة لوحية معروفة في العالم. سرعان ما انتقلت اللعبة إلى اليابان وكوريا حيث ظهرت مدارس متخصصة في تعليمها، ثم انتشرت إلى باقي أنحاء العالم بعد الحرب العالمية الثانية.

و تعتمد اللعبة على وضع اللاعبين لأحجارهم على تقاطعات لوح يحتوي على 361 نقطة، حيث يسعى كل لاعب للاستحواذ على أكبر عدد من هذه النقاط مع محاولة إقصاء أحجار خصمه. في النهاية، يفوز اللاعب الذي يمتلك أكبر عدد من التقاطعات ويقل عدد أحجاره المفقودة.

Google's artificial intelligence machine to battle human champion of 'Go' | Artificial  intelligence (AI) | The Guardian

و على الرغم من أن فكرة اللعبة قد تبدو بسيطة، فإن التنافس فيها شديد التعقيد ويستغرق ساعات طويلة من اللعب بسبب العدد الكبير من النقاط والأحجار. وتستدعي اللعبة استراتيجيات معقدة يمكن من خلالها محاصرة أحجار الخصم، مما يتطلب قدرة إبداعية عالية.

وفقًا للخبراء، يُعتقد أن لعبة “جو” قد تكون أكثر تحديًا من الشطرنج في بعض جوانبها.

يعد اللاعب الكوري الجنوبي “لي سيدول” من أبرز الأسماء في عالم “جو”، حيث يعتبر أحد أفضل اللاعبين وأكثرهم إبداعًا في تاريخ اللعبة.

حصل “لي” على لقب “دان التاسع” وهو أعلى تصنيف في اللعبة، وفاز بـ 18 لقبًا دوليًا، وقد اشتهر بلقب “الحجر القوي”. كان “لي” قد بدأ مسيرته المهنية في سن الثانية عشرة، وتقاعد عن اللعب عام 2019.

منذ أواخر التسعينيات، بدأ الذكاء الاصطناعي في منافسة البشر في الألعاب التقليدية، حيث أصبح قادرًا على التفوق تدريجيًا على اللاعبين البشريين.

بدأ هذا بشكل واضح عندما فاز برنامج “ديب بلو” من شركة “آي بي إم” على بطل الشطرنج “غاري كاسبروف” في عام 1997، مما أثار تساؤلات حول مستقبل المنافسة بين البشر والذكاء الاصطناعي في الألعاب.

d8903e3c 1658 4f32 9322 33907f8d614a Detafour

و في مطلع الألفية الجديدة، اعتقد الخبراء أن الذكاء الاصطناعي لن يكون قادرًا على منافسة البشر في لعبة “جو” بسبب تعقيداتها، لكن الأمور تغيرت في يناير 2016، عندما نجح برنامج “ألفا جو” من شركة “ديب مايند” التابعة لـ “غوغل” في هزيمة بطل أوروبا في اللعبة “فان هوي” بنتيجة 5-0، ليشكل هذا تطورًا مفاجئًا في مجال الذكاء الاصطناعي.

في ذلك الوقت، كان “لي سيدول” يُعتبر أفضل لاعب “جو” في العالم، وقد وصف بأنه “أفضل في التاريخ” و”بطل قومي”.

وهذا ما دفع “ديب مايند” لتحديه في مباراة بينه وبين “ألفا جو”، حيث رد “لي” قائلاً: “سأفوز بفارق كبير. بالطبع هناك تحديثات جديدة في الذكاء الاصطناعي، لكن لا أعتقد أنها كافية لتحدي قوتي.”

في مارس 2016، جرت مباراة بين “لي سيدول” و”ألفا جو” استمرت لخمسة أيام، انتهت بتفوق “ألفا جو” في أربع جولات، مما أجبر “لي” على الانسحاب في الجولة الخامسة بعد أن أصبح من الواضح أن فوزه أصبح مستحيلًا.

كانت هذه الهزيمة بمثابة صدمة هزت عالم “جو” بأسره، وجعلت الجميع يعيدون النظر في قدرات الذكاء الاصطناعي.

من أبرز لحظات المباراة كانت النقلة رقم 37 في الجولة الثانية، التي وصفها المعلقون بأنها “فريدة من نوعها” ولم يكن بإمكان أي إنسان أن يؤديها. توقف “لي” طويلًا عند هذه النقلة، ما جعل المباراة تكتسب أبعادًا أعمق ليس فقط من ناحية اللعب، بل أيضًا على مستوى العقل البشري.

مع هذه الهزيمة التاريخية، أصبح “ألفا جو” ليس فقط بطلًا في لعبة “جو”، بل رمزا للقدرة المتزايدة للذكاء الاصطناعي على التنافس مع أعظم العقول البشرية في مجالات كانت تعتبر من قبل حكرا على الإنسان.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى