الذكاء الاصطناعي بين الطموح والاعتماد على الدولة: هل نحن أمام إنقاذ حكومي؟

هناك مقولة قديمة في أروقة واشنطن تقول: «لا تصدّق شيئًا حتى يتم نفيه رسميًا». اليوم، بعد تصريح ديفيد ساكس، المعروف بلقب «قيصر الذكاء الاصطناعي» في إدارة ترامب، بأن «الذكاء الاصطناعي لن يحصل على إنقاذ فدرالي»، بدأ المحللون والمراقبون يتساءلون عن شكل هذا الإنقاذ إذا ما قررت الحكومة الأمريكية تقديمه لاحقًا.
المدير المالي لشركة OpenAI، سارة فراير، أعطت مؤشرًا على الإجابة. ففي مقابلة مع صحيفة وول ستريت جورنال، أشارت إلى أن القطاع قد يحتاج إلى ضمانات فدرالية لدعم الاستثمارات الضرورية للحفاظ على الريادة الأمريكية في الذكاء الاصطناعي.
لاحقًا، أوضحت فراير عبر منشور على منصة لينكدإن أن كلمة «Backstop» التي استخدمتها ربما أسيء فهمها، وأن ما قصدته هو ضرورة تدخل الحكومة لضمان استمرار الريادة الأمريكية في هذا المجال.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يحتاج قطاع مليارات الدولارات من الاستثمارات، والمليء بالمغامرات المالية الضخمة، إلى دعم حكومي؟ خبير الذكاء الاصطناعي، غاري ماركوس، توقّع منذ عشرة أشهر تقريبًا أن هذا القطاع سيطلب إنقاذًا حكوميًا بسبب الإفراط في الإنفاق والالتزامات المستقبلية الضخمة، التي من الصعب الوفاء بها.
مثال واضح على ذلك: الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، سام ألتمان، بدا محرجًا في حديث بودكاست عندما طُرح عليه سؤال حول كيفية تغطية الالتزامات المالية الضخمة للشركة، التي بلغت نحو 1.4 تريليون دولار، في ظل إيرادات سنوية تقدر بـ13 مليار دولار فقط وخسائر مستمرة.
لجذب دعم الحكومة، لطالما اعتمد قطاع التكنولوجيا على السرد السياسي: الصين تشكل تهديدًا ويجب التفوق عليها. ألتمان يستخدم هذا الخطاب لإقناع صناع القرار الأمريكيين بضرورة دعم OpenAI، لكن هذا لا يجيب عن سؤال: لماذا يجب أن تكون OpenAI بالذات المستفيد من أي دعم حكومي؟
في محاولة لاحتواء الجدل، صرح ألتمان أن الشركة لا تطلب دعمًا مباشرًا من الحكومة، لكنه أشار إلى إمكانية تقديم الدعم غير المباشر عبر إنشاء مراكز بيانات حكومية يمكن تأجيرها لاحقًا لشركات الذكاء الاصطناعي، لتخفيف الأعباء الاستثمارية عنها.
الأمر ليس بعيدًا عن الواقع، إذ أن أكثر من 30 ولاية أمريكية تقدم حوافز لجذب مراكز البيانات، رغم الاحتجاجات المحلية والزيادة الكبيرة في أسعار الكهرباء الناتجة عن هذا التوسع. في النهاية، يدفع المستهلكون الحاليون ثمن توسع هذه المراكز من خلال تحمل تكاليف إنشاء محطات جديدة وخطوط نقل الطاقة.
الأزمة الأكبر للذكاء الاصطناعي تكمن في قيوده البنيوية: فهو لا يزال غير قادر على استبدال البشر في العديد من الوظائف الحرجة، ويتعرض لأخطاء متكررة تمنع دمجه الكامل في الأنظمة الحيوية. كما أن الادعاءات الضخمة لمروجي التكنولوجيا غالبًا ما تُفنّد بالحقائق الواقعية، كما بين الناقد إد زترون.
بالنظر إلى كل ذلك، يبدو الذكاء الاصطناعي مشروعًا يشبه ما يُعرف بـBoondoggle — أي مشروع مكلف وقليل الفائدة يُنفّذ لأسباب سياسية أو تجارية أو شخصية.
والأدهى أن هذا القطاع قد يخلق مشكلات جديدة تتطلب مشاريع عبثية إضافية لحلها، مثل الحاجة إلى توسعة هائلة في قدرة الكهرباء لمراكز البيانات، والتي قد تُصبح غير ضرورية إذا تبين أن الفوائد المعلنة للذكاء الاصطناعي مبالغ فيها.
في النهاية، الذكاء الاصطناعي بلا شك سيغير المجتمع، لكن ليس بالطريقة التي يتصورها المروجون. ربما التغيير الأكبر سيكون في كيفية تعاملنا مع الموارد العامة ودور الدولة في دعم هذه التكنولوجيا الطموحة.




