الذكاء الاصطناعي.. المحرك الجديد لأسواق المال وصعود الذهب الرقمي

على مدار الأسابيع الماضية، لم يعد المستثمرون في “وول ستريت” يركزون على المؤشرات التقليدية مثل التضخم أو أسعار الفائدة. حديثهم اليوم يتجه بالكامل نحو تقنية واحدة: الذكاء الاصطناعي.
هذه التقنية، التي تجاوزت كونها مجرد خوارزميات أو روبوتات، صارت بالنسبة لهم «الذهب الرقمي» الجديد، قادرة على إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي من جذوره.
مع تدفق مليارات الدولارات على الشركات المطورة لهذه التكنولوجيا، يطرح المستثمرون تساؤلات حاسمة: هل نرسم اقتصاد المستقبل، أم أن الأسواق تعيد كتابة فصل جديد من فقاعة الدوت كوم؟
الأسواق ترتفع بسرعة، التقييمات تنتفخ، والحماس يضخ مئات المليارات في تقنيات وصفها البعض بأنها الأكثر تأثيرًا في العصر الحديث. لكن وراء هذه الأضواء تتزايد المخاوف من انهيار محتمل قد يمحو تريليونات من القيمة السوقية ويهز مؤشرات مثل “ناسداك”.
جون ماركمان، كاتب متخصص بأسهم التكنولوجيا في «فوربس»، يرى أن الذكاء الاصطناعي «ليس موجة عابرة، بل حصيلة عقود من التطورات في الحوسبة».
اليوم، يتم إعادة تصميم كل طبقات البنية التكنولوجية — من الطاقة إلى أشباه الموصلات والبرمجيات — لتصبح أكثر توافقًا مع عصر يضع الذكاء الاصطناعي في الصدارة.
هذا التحول الهيكلي يعكس واقعًا بعيدًا عن أي موضة مؤقتة، لكن التساؤلات حول استدامة النمو ما تزال قائمة: هل سيستمر الزخم، أم أن القطاع على حافة فقاعة قد تمحو 40 تريليون دولار من الأسواق؟
خبراء «فوربس» يحذرون من ضرورة متابعة مؤشرات الفقاعة، لا سيما مع تكرار أنماط تشبه ما حدث في الفقاعة التكنولوجية عام 2000.

يضع بيتر كوهان، كاتب أسواق في «فوربس»، ثلاثة سيناريوهات: استمرار الطفرة بقوة، هبوط طفيف في التقييمات، أو السيناريو الأخطر — إفلاس شركات رئيسية مثل «أوبن إيه آي» الذي قد يهز القطاع بأكمله.
تتحول «أوبن إيه آي» إلى رمز للطفرة، مع صفقات ضخمة مع شركات مثل AMD، Broadcom، Nvidia، Oracle وWalmart، تضخ مليارات الدولارات في أساسات القطاع، أو ربما تزيد فقاعته المحتملة.
توضح سول راشيدي، خبيرة تكنولوجيا ومساهمة في «فوربس»، أن طموح «أوبن إيه آي» في دمج الحوسبة والبيانات وتدريب النماذج على نطاق غير مسبوق هو ما يقود التحول الحالي.
فريق سام ألتمان بنى منظومة متكاملة تمنح الشركة نفوذًا غير مسبوق، بحسب ماركمان: «هذا ليس وعدًا فارغًا، بل طلب حقيقي ومنتجات فعلية تتطلب طاقة حوسبة هائلة».
لكن هذا النمو لا يأتي بدون تكلفة؛ فالقطاع يحتاج لمئات المليارات في البنية التحتية، بينما تبقى الصفقات الكبرى هي الوقود الأساسي للابتكار، وعلى رأسها الشراكة مع Nvidia، الشركة الأعلى قيمة عالميًا.
تطرح كورتني هاردينغ من «فوربس» سؤالًا محوريًا: “ماذا يحدث عندما يبدأ الهواء في التسرب من فقاعة الذكاء الاصطناعي؟”
كما حدث في 2000، حين شكلت أكبر خمس شركات تكنولوجية 15% من مؤشر S&P 500، تمثل اليوم أسهم سبعة عمالقة مرتبطين بالذكاء الاصطناعي أكثر من ثلث المؤشر، بحسب باولو كارفاو من جامعة هارفارد.
المشكلة تكمن في التوقعات المبالغ فيها، لا في وعد الذكاء الاصطناعي طويل الأمد، وهو ما قد يمهد لهبوط حاد في المستقبل القريب.
بين الابتكار غير المسبوق والمخاوف من انهيار محتمل، يقف العالم أمام اختبار حقيقي لقطاع الذكاء الاصطناعي. قد يكون هذا التحول أعظم من الإنترنت، أو أخطر فقاعة مالية منذ الدوت كوم.
الزمن وحده كفيل بالكشف عن النتائج، لكن المؤكد أن الذكاء الاصطناعي أصبح المحرك الأول لأسواق المال، وللقلق أيضًا.




