الحسابات غير النشيطة في المغرب.. من ثغرة إدارية إلى أزمة ثقة مؤسساتية

أصبحت المواجهة القضائية هي المشهد الأبرز في العلاقة بين عدد من الزبناء والأبناك في المغرب، مع تصاعد مقلق للشكايات المتعلقة بالحجز على الحسابات البنكية والقيد الاحتياطي على الأملاك العقارية.
هذه الظاهرة، التي باتت تشغل بال الزبناء وجمعيات حماية المستهلك على حد سواء، تكشف عن ثغرة قاتلة في تدبير الحسابات غير النشيطة.
وعادة ما تقع الشكايات حول حسابات جرى إهمالها أو لم تُغلق رسمياً رغم توقف أصحابها عن استخدامها منذ سنوات، ويبرز البنك العقاري والسياحي (CIH) في مقدمة المؤسسات البنكية المتهمة، وفق شهادات متضررين.
تبدأ الأزمة عادة عند توقف الزبون عن استعمال حسابه البنكي دون تقديم طلب رسمي للإغلاق، لتواصل البنوك احتساب مصاريف التدبير البنكي والفوائد المتأخرة على المبالغ المستحقة. ما يبدو في البداية مبلغاً بسيطاً، يتحول خلال سنوات إلى دين كبير يثقل كاهل الزبون.
الإشكال يتفاقم، خصوصاً عند غياب أي إشعار مسبق بالمتأخرات، وهو الإجراء الذي ينص عليه القانون البنكي كشرط أساسي لضمان حق الزبون في العلم بالدين.
هذا الغياب للشفافية هو ما يحوّل المصاريف الروتينية إلى فخ قانوني ومالي.
و في السنوات الأخيرة، ارتفعت الشكايات المتعلقة بالحجز على الحسابات أو الممتلكات، حتى في مواجهة مبالغ صغيرة لا تتناسب مع الإجراءات المتخذة.
يؤكد خبراء القانون أن الحجز والقيد الاحتياطي حق قانوني للبنك، لكنه مشروط بوجود دين مثبت وإشعار مسبق للزبون. إلا أن بعض الجمعيات تشير إلى أن البنوك تلجأ أحياناً إلى هذه المساطر آلياً، دون التحقق من علم الزبون أو احترام الإجراءات القانونية للإشعار، ما يطرح علامات استفهام كبرى حول مدى احترام البنوك لـ مبدأ التناسب في تطبيق القانون.
و أفاد عدد من الزبناء أن حساباتهم، غالباً بسبب الانتقال أو تغيّر الوضع المهني، تحولت فجأة إلى ديون مع تطبيق إجراءات الحجز على ممتلكاتهم، من دون تلقي إشعارات مسبقة أو محاولات للتسوية الودية، إضافة إلى تراكم مبالغ مبالغ فيها من مصاريف التسيير والفوائد.
هذا الوضع دفع جمعيات حماية المستهلك للمطالبة بفتح نقاش وطني حول مدى قانونية هذه الممارسات واحترام حقوق الزبناء، مؤكدة أن الزبون هو الطرف الأضعف الذي يستلزم حماية تشريعية ورقابية فعالة.
و ينص القانون البنكي المغربي على ضرورة حماية الزبون، وإشعاره بالديون، وضمان التناسب في الإجراءات القانونية، لكن الواقع يظهر وجود فراغ تشريعي وتباين في تفسير بعض المواد، خاصة المتعلقة بالمتابعات القضائية وإدارة الحسابات غير النشيطة.
نتيجة لذلك، تتحول الحسابات المهجورة إلى سلسلة معقدة من الإجراءات تبدأ بمصاريف بسيطة وتنتهي بالحجز على الحسابات أو العقارات، ما يضع الزبون في موقف هش أمام المؤسسة البنكية.
و رغم أن بنك المغرب يشكل الهيئة الرقابية العليا، يوصف دوره أحياناً بـ “البطيء” في معالجة الملفات المرتبطة بالحسابات المهجورة، والرسوم غير المبررة، وإجراءات التحصيل المبالغ فيها. وحتى مع إطلاق بوابة شكايات إلكترونية، يشتكي المواطنون من طول مدة معالجة الملفات وتأخر إعادة الأمور إلى نصابها القانوني.
و يرى المختصون أن المسؤولية موزعة بين:
البنوك: لاستخدام إجراءات ثقيلة وعدم التواصل الكافي مع الزبناء.
الزبون: بعدم إغلاق الحساب رسمياً أو الاحتفاظ بالوثائق البنكية.
الدولة والمشرع: بسبب غياب إطار قانوني متكامل وضعف الرقابة على القطاع.
ويطرح الواقع ضرورة إصلاح شامل يشمل وضع قانون واضح لإغلاق الحسابات، إلزام البنوك بالإشعارات الدورية، إنشاء نظام موحد لمعالجة الحسابات غير النشيطة، ضبط مصاريف التسيير، ومنع أي حجز إلا بعد استنفاد الحلول الودية.
فالملف يتجاوز الأرقام ليصبح قضية عدالة: البنك ليس فوق القانون، والزبون ليس مجرد رقم في قاعدة بيانات، بل طرف يستحق الحماية وفق مبادئ العدالة والتوازن.




