Bitget Banner
الاقتصاديةالأسهم

الحدس في الأسواق المالية: كيف يبنيه الناجحون؟ وما الفخاخ التي تحوله إلى وهم؟

يؤكد المتداول الأمريكي الشهير مارتن شوارتز أن الحدس في التداول، شأنه شأن الموسيقى، يتطلب تدريبًا طويلًا ليصبح فعالًا وسليمًا. تُجسد مسيرة شوارتز المهنية هذا المبدأ بوضوح.

فبعد مشاركته الأولى في مسابقة للتداول عام 1982، حيث حل ثالثًا من بين 74 متسابقًا، اعتبر شوارتز هذه النتيجة “فشلًا” على الرغم من كونها إنجازًا لمتداول حديث العهد.

لم ييأس، بل عاد ليشارك في العام التالي، ليُحقق نموًا في رأسماله من 30% إلى 69%، وإن تراجع ترتيبه إلى المركز السادس.

و في عام 1984، حصد شوارتز أخيرًا المركز الأول، محققًا نموًا استثنائيًا في رأسماله من 482 ألف دولار إلى 1.2 مليون دولار في غضون أربعة أشهر فقط، بنسبة نمو بلغت 254%. هذا الإنجاز لفت الأنظار إلى قدراته التحليلية المعمقة وقدرته على توظيف “الحدس” بفاعلية.

يوضح شوارتز أن استخدامه للحدس لا ينبع من “التنجيم”، بل هو نتاج دراسة متزامنة ومفصلة للقطاعات والشركات. فبعد التحليل المنطقي والوافي للخيارات الاستثمارية المتقاربة، يتدخل الحدس، مدعومًا بالخبرات السابقة، لترجيح الخيار الأمثل.

من هنا، يُعرف “الحدس” على أنه نوع من المعرفة غير القابلة للتفسير المنطقي المباشر. وعليه، يكون الحدس فعالًا وموثوقًا عندما يستند إلى علم قوي ومعرفة عميقة، بينما يؤدي الافتقار لهذه الأسس إلى نتائج سلبية.

يُجمع كبار المتداولين، ومن بينهم شوارتز، على حقيقة أن النجاح في كل صفقة بسوق الأسهم أمر مستحيل، فالخسارة جزء لا يتجزأ من اللعبة. ومع ذلك، يجب استخلاص الدروس من كل من المكاسب والخسائر لتجنب تكرار الأخطاء.

يُظهر المتداولون الناجحون قدرة على تحليل عشرات العوامل المؤثرة، والتي تشير بعض الدراسات إلى أنها لا تقل عن 12 عاملًا أساسيًا. هذا التحليل الشامل يُمكنهم من تجنب الاعتماد على عامل واحد فقط، وهو ما يولد غالبًا حدسًا مضللًا.

فعلى سبيل المثال، قد يرفض مستثمر شراء أسهم شركة بسبب ارتفاع ديونها، وينخفض سعرها بالفعل لاحقًا. هذا قد يؤثر سلبًا على تفكير المتداول، فيركز على عنصر الديون دون غيره، ويتجاهل عوامل تحليل أساسي أخرى مهمة تتعلق بالشركة والقطاع والاقتصاد.

وتشير الدراسات إلى أن أكثر من 80% من المتداولين يعتقدون أن عاملًا واحدًا فقط – مثل الحظ، أو نسب النمو، أو قوائم الشركة المالية، أو حتى نصيحة محلل – هو المسؤول عن الربحية ونمو السهم، ليبنوا حدسهم على هذا الأساس.

بالإضافة إلى ذلك، يخلط الكثيرون بين حدسهم و “مخاوفهم” أو “أمانيهم”. فما لا يقل عن 40% من المتداولين يتداولون بناءً على رغباتهم وأمنياتهم بأن توافق الأسواق توقعاتهم، وهو ما لا يؤدي إلى مكاسب في معظم الحالات، لأنه لا يعتمد على الحدس المطلوب.

يدعو بعض المراقبين والكتاب، مثل الكاتب الشهير كورتيس فيث، إلى الاعتماد على الحدس في التداول. وقد صمم فيث نموذج “السلاحف” الذي يعتمد على التجارة اللحظية وتتبع الاتجاهات للاستفادة من تقلبات السوق.

ورغم أن هذا النموذج للمضاربة وليس للاستثمار طويل الأجل، إلا أن فيث يؤكد في كتابه “التجارة باستخدام الحدس” أن الحدس ليس مجرد شعور عشوائي، بل هو معالجة سريعة للمعلومات والخبرات المتراكمة، ويمكن أن يوفر رؤى قيمة تفوق ما يمكن للتحليل المنطقي وحده اكتشافه.

يدعو فيث إلى تحقيق التوازن بين شقي الدماغ: الدماغ الأيمن (الحدسي والإبداعي) والدماغ الأيسر (التحليلي والمنطقي). ويشدد على أن الاعتماد المفرط على أحدهما دون الآخر يؤدي إلى قرارات خاطئة. كما يفرق بين الحدس الجدير بالثقة، المستند إلى الخبرة والمعرفة الضمنية، والاستجابة العاطفية التي يجب تجاهلها.

يشير فيث إلى إمكانية تدريب الحدس من خلال التداول الوهمي، ومتابعة دقيقة لتقلبات الأسهم، مما يسمح للمتداول باتخاذ قرارات أكثر كفاءة في التداول الحقيقي. ويؤكد أن الحدس يجب أن يكون مكملًا للتحليل الفني والأساسي وإدارة المخاطر، وليس بديلًا عنها، خاصة وأن الحدس وحده غالبًا ما يقود إلى نتائج سيئة بسبب تأثره بالانحيازات المعرفية.

الخبرة هنا تلعب دورًا حاسمًا في تشكيل الحدس “المفيد”.

من العوائق الرئيسية أمام تكوين حدس سليم، هي صعوبة إقصاء المعلومات غير الصحيحة عن عملية اتخاذ القرار. فقد كشفت دراسة جامعية أن أكثر من 30% من الناس لا يستطيعون إقصاء المعلومات الخاطئة عن عملية اتخاذ القرار، مما يؤثر على توجهاتهم.

01d361b3 17a6 4a15 a2f0 0db8c9d9c2f8 Detafour

و في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، تتفاقم هذه الظاهرة بسبب وفرة المعلومات مجهولة المصدر، وتقنيات التزوير المتقنة، وتداول الأخبار الكاذبة على نطاق واسع، مما يجعل تشكيل الحدس السليم أكثر صعوبة ويتطلب جهدًا أكبر في “الفلترة”.

تزداد هذه المشكلة تعقيدًا في ظل اعتماد أكثر من 54% من الناس على وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على معلوماتهم (تصل إلى 80% في بعض الحالات)، مما يجعل الانفصال عن هذا التيار أمرًا شاقًا.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الاعتماد على الحدس يستلزم استقرار الممارسات الاقتصادية والتجارية لفترات طويلة، مما يمكن من بناء فهم فطري لكيفية تحرك الأسواق. ولكن مع الاضطرابات العنيفة، والتقلب الاقتصادي، وسيادة حالة عدم اليقين في العصر الحالي، يصبح الاعتماد على الحدس وحده محفوفًا بالمخاطر.

ختامًا، نعود إلى مقولة مارتن شوارتز: بدون تدريب جيد وعلم راسخ، يبقى الحدس مجرد أمنيات أو حتى أوهام. لكن مع المعرفة الواسعة والاطلاع المناسب، يتحول الحدس إلى أداة إضافية قيمة تمكن المتداول من تحقيق النجاح في السوق.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى