التوجهات السياسية والثقة بالعلماء…تحليل جديد من المغرب

تشير البيانات في المغرب، كما في بعض الدول الأخرى، إلى أن الأشخاص ذوي التوجهات السياسية اليمينية يميلون إلى الثقة بالعلماء بدرجة أقل.
تظهر هذه الملاحظة في تحليل استند إلى دراسة نُشرت في مجلة “نيتشر هيومن بيهيفيور”، والتي، رغم أنها لم تكشف عن انقسام حاد، إلا أنها تسلط الضوء على التحديات التي تواجه إدراك المجتمع لعلمائه ودورهم.
هذا التوجه يعكس أهمية تعزيز الثقة في العلماء، باعتبارها عاملاً أساسيًا لضمان فاعلية البحث العلمي وتأثيره في المجتمع.
في زمن تتزايد فيه الأجندات الشعبوية والمناهضة للعلم، يزداد القلق بشأن الثقة العامة في العلماء، وهو ما يشكل تحديًا أمام صناع السياسات، الباحثين، والممولين.
تسعى العديد من هذه الأطراف لاستعادة هذه الثقة باعتبارها ركيزة أساسية للمجتمعات الديمقراطية، حيث تساهم في تعزيز التمويل العلمي وتمكين المواطنين من اتخاذ قرارات مستنيرة حول قضايا تتطلب تدخلات علمية، مثل الصحة العامة، التكنولوجيا، الاستدامة، والتغذية.
لكن رغم هذه المخاوف، كشفت دراسة حديثة أن غالبية المواطنين في 68 دولة حول العالم ما زالوا يثقون في العلماء بدرجات متفاوتة.
شارك في هذه الدراسة، التي أجريت ضمن مشروع “TISP Many Labs” بقيادة فيكتوريا كولونيا ونيلز جي. ميد، 241 باحثًا من 169 مؤسسة بحثية، وشملت 72,000 مشارك من 68 دولة، بما في ذلك المغرب. وقد أظهرت النتائج أن مستوى الثقة في العلماء كان مرتفعًا نسبيًا، حيث يُنظر إلى معظمهم على أنهم كفوئين ونزيهين.
من أبرز النتائج أن بعض الدول الأفريقية، مثل مصر ونيجيريا وكينيا، جاءت ضمن الدول التي تتمتع بأعلى مستويات الثقة في العلماء، مما يفند الفكرة الشائعة بأن الثقة في العلماء أقل في القارة الأفريقية.
كما أظهرت الدراسة أن اهتمامات المواطنين في هذه الدول تتوافق مع الاتجاهات العالمية، حيث يفضلون أن يركز العلماء على تحسين الصحة العامة، توفير الطاقة، وتقليل الفقر. غير أن القضايا المتعلقة بالتكنولوجيا العسكرية والدفاع لا تزال تحظى باهتمام أكبر في بعض الدول الأفريقية مقارنة ببقية المناطق.
أظهر الاستطلاع أيضًا أن 83% من المشاركين في الدول المعنية أكدوا ضرورة التواصل الفعّال للعلماء مع الجمهور. في دول مثل غانا وكوت ديفوار وأوغندا، طالب المواطنون العلماء بأن يكونوا أكثر انخراطًا مع المجتمع.
وفي بعض الدول مثل نيجيريا وبوتسوانا، ظهر دعم قوي لتبني العلماء دورًا في المناصرة السياسية. بينما أبدى مواطنو مصر والمغرب تحفظًا أكبر تجاه هذا الدور.
تُظهر هذه النتائج ضرورة أن يعتمد بناء الثقة في العلماء على الفهم الواعي والمبني على الأدلة، وليس على الثقة العمياء.
ولتحقيق ذلك، يجب أن يصبح العلم أكثر وضوحًا ومتاحة للجميع، مع تمكين المواطنين من تقييم مصداقية المعلومات العلمية وتمييزها عن المعلومات المضللة. في المجتمعات المتعلمة علميًا، يصبح العلم جزءًا من النقاش اليومي ويتيح للمواطنين التعبير عن آرائهم حول تداعيات البحوث العلمية وتطبيقاتها.
غالبًا ما تركز الدراسات الدولية على مواقف الجمهور تجاه العلم في الدول المتقدمة، لكن ينبغي توسيع نطاق البحث ليشمل مناطق مثل أفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا.
وتعتبر الدراسة الحالية خطوة مهمة نحو فهم وتقييم مستوى الثقة في العلماء في القارة الأفريقية، مع إمكانية توسيع نطاقها مستقبلًا لتشمل دولًا أخرى.
على الرغم من الصورة الإيجابية التي تقدمها هذه الدراسة، يجب أن نعي أن الثقة في العلماء ليست ثابتة، بل تتأثر بالأزمات والتطورات العلمية.
وتشير الدراسة إلى حاجة قوية في بعض الدول الأفريقية، بما في ذلك المغرب، لأن يكون العلماء أكثر انخراطًا في التواصل العلمي مع المجتمع. وهذا يمثل دعوة مهمة للعلماء في هذه الدول لتحسين وضوح أبحاثهم وجعلها أكثر وصولًا للمواطنين.