اقتصاد المغربالأخبار

التمويلات المبتكرة في المغرب.. سيولة فورية ودور متناقص في ميزانية الدولة

تمكنت المملكة المغربية، منذ عام 2019، من استقطاب ما يزيد عن 125 مليار درهم (نحو 13.4 مليار دولار) لتمويل خزينة الدولة عبر آلية تُعرف بـ”التمويلات المبتكرة”.

هذا المسعى المالي الجديد، الذي يتمثل في بيع أصول عقارية مملوكة للدولة مع استئجارها بعقود طويلة الأمد (التأجير التمويلي)، أتاح للمغرب توفير سيولة فورية مهمة، ساعدت على تقليص الاعتماد على الاقتراض الخارجي وتخفيف الضغط على عجز الموازنة نسبياً.

إلا أن هذه الاستراتيجية لم تمر دون إثارة جدل واسع في الأوساط السياسية، خاصة من قبل أحزاب المعارضة.

بدأت المملكة اعتماد هذه الآلية عام 2019، التي تقوم على بيع أصول عقارية مملوكة للدولة لمؤسسات مالية، مع توقيع عقود تأجير طويلة الأمد تنتهي بإمكانية استعادة الأصل، ما يعرف بالتأجير التمويلي. وتهدف هذه الاستراتيجية إلى توفير سيولة فورية لدعم الميزانية أو تمويل مشاريع عامة دون خلق دين جديد.

خلال مناقشة مشروع موازنة 2026، أثار استخدام التمويلات المبتكرة انتقادات من أحزاب المعارضة، التي اعتبرت أن بيع الأصول قد يضر بخدمات بعض المؤسسات العامة مثل المستشفيات والجامعات.

و في المقابل، أكدت الحكومة أن هذه العمليات لا تمثل خصخصة للأصول، بل هي طريقة لإعادة استثمارها وتثمينها.

محمد عفيفي، محلل أول في وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني، أوضح أن “هذه الآليات تُستخدم لتعويض انخفاض الإيرادات أو ارتفاع الإنفاق عن المتوقع”.

وأضاف أن العمليات تضمنت بيع أصول عدة، من بينها مستشفيات جامعية، لصناديق مالية حكومية مثل صندوق الإيداع والتدبير، والصندوق المغربي للتقاعد، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بالإضافة إلى البنك القرض الفلاحي.

وتستمر العقود عادة لمدة 30 سنة مع معدل فائدة لا يتجاوز 6%، وقابلة للتجديد كل خمس أو عشر سنوات.

في تقرير حديث، حذرت “فيتش” من الاعتماد الدائم على هذه التمويلات، مؤكدة أنها تُعتبر استثنائية بطبيعتها، وأن تعزيز الاعتماد على مصادر إيرادات مستدامة سيقوي المسار المالي للبلاد.

وأوضح عفيفي أن الحكومة ستقلل تدريجياً من استخدام هذه الآلية مع توقع استقرار الإيرادات الضريبية وانخفاض تدريجي في الإنفاق خلال الفترة 2025-2027.

وتزامن الاعتماد على التمويلات المبتكرة مع ارتفاع الإنفاق الحكومي على البنية التحتية، حيث تستثمر الدولة مليارات الدراهم في المطارات والملاعب وشبكات السكك الحديدية استعداداً لاستضافة كأس العالم 2030، فيما بلغت الإيرادات الضريبية في الأشهر العشرة الأولى من العام 280 مليار درهم، بزيادة 15.2% على أساس سنوي من إجمالي 334 مليار درهم.

وأشار الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، خلال مناقشة الموازنة، إلى أن التمويلات المبتكرة ساعدت على إنشاء مشاريع جديدة باستخدام قيمة الأصول الحالية، مضيفاً: “بدلاً من امتلاك مستشفى جامعي واحد، نستخدم قيمته لبناء مستشفى آخر”.

ووفقاً لبيانات وزارة الاقتصاد والمالية، ستدفع الدولة نحو 7 مليارات درهم كإيجارات مقابل هذه العمليات خلال العام المقبل، فيما يُتوقع أن تحقق إيرادات تصل إلى 18.8 مليار درهم حتى نهاية أكتوبر الماضي.

مع استمرار نمو الإيرادات الضريبية وتحسن الالتزام الضريبي، تتوقع الحكومة أن يقل اعتمادها على التمويلات المبتكرة تدريجياً، مع إمكانية التخلي عنها نهائياً بحلول 2027، وهو ما أكد عليه لقجع قائلاً: “كلما ارتفعت الإيرادات الضريبية وتوسعت هوامش الدولة المالية، سينخفض اللجوء إلى هذه التمويلات”.

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى