التقلبات الحادة تضرب وول ستريت: هل نحن أمام تصحيح عميق للأسواق؟

شهدت أسواق الأسهم الأمريكية تراجعًا حادًا في الأيام الأخيرة، حيث أدت المخاوف من تباطؤ اقتصادي عالمي وعدم اليقين بشأن السياسات التجارية إلى موجة بيع مكثفة، أطاحت بأكثر من 4 تريليونات دولار من القيمة السوقية لمؤشر S&P 500 منذ ذروته في فبراير الماضي.
أثارت سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التجارية، خاصة المتعلقة بفرض تعريفات جمركية على الشركاء الرئيسيين مثل الصين وكندا والمكسيك، حالة من عدم الاستقرار بين المستثمرين.
هذا الغموض جعل من الصعب على الشركات وضع خطط مستقبلية واضحة، مما أدى إلى تراجع ثقة المستثمرين وتصاعد المخاوف من دخول الاقتصاد في مرحلة ركود.
لم تقتصر التداعيات السلبية على أسواق الأسهم فحسب، بل امتدت إلى قطاعات أخرى مثل الطيران. فقد أعلنت شركة دلتا للطيران عن تخفيض توقعاتها للأرباح في الربع الأول بنسبة 50%، مما أدى إلى انخفاض أسهمها بنسبة 14% في تعاملات ما بعد السوق.
وعزا الرئيس التنفيذي للشركة، إد باستيان، هذا التراجع إلى “زيادة عدم اليقين الاقتصادي في الولايات المتحدة”.
قطاع التكنولوجيا، الذي كان محركًا رئيسيًا لمكاسب السوق في الأعوام الأخيرة، تعرض لهزة قوية. فقد شهد مؤشر S&P 500 يوم الاثنين انخفاضًا بنسبة 2.7%، وهو أكبر انخفاض يومي له هذا العام، في حين خسر مؤشر ناسداك المركب 4%، في أكبر تراجع له منذ سبتمبر 2022.
وكانت آبل وإنفيديا من بين أكبر الخاسرين، حيث تراجعت أسهمهما بنسبة 5%، في حين انخفضت أسهم تسلا بنسبة 15%، ما أدى إلى فقدانها نحو 125 مليار دولار من قيمتها السوقية.
انعكست حالة عدم الاستقرار في ارتفاع مؤشر التقلب (VIX)، الذي يقيس توقعات السوق للتقلبات المستقبلية، إلى أعلى مستوى له منذ غشت ، مما يعكس حالة القلق المتزايدة بين المستثمرين. كما شهدت الأصول الأخرى ذات المخاطر العالية، مثل البيتكوين، تراجعًا بنسبة 5%.
في ظل هذه الاضطرابات، ارتفع الطلب على سندات الخزانة الأمريكية، مما أدى إلى انخفاض العوائد على السندات لأجل 10 سنوات إلى 4.22%.
كما سجل قطاع المرافق العامة مكاسب يومية بنسبة 1%، مما يشير إلى توجه المستثمرين نحو الأصول الدفاعية.
على الرغم من الخسائر الكبيرة، لا تزال تقييمات الأسهم الأمريكية أعلى من المعدلات التاريخية، حيث يتم تداول مؤشر S&P 500 عند مضاعف أرباح يبلغ 21 مرة للأرباح المتوقعة، مقارنة بمتوسط تاريخي يبلغ 15.8 مرة.
ويشير المحللون إلى أن المخاوف بشأن الحرب التجارية والتوترات الجيوسياسية قد تؤدي إلى مزيد من التراجع في الأسواق.
تمر الأسواق الأمريكية حاليًا بمرحلة تصحيح حاد بعد فترة طويلة من الارتفاعات القوية، مدفوعة بعوامل عدم اليقين السياسي والمخاوف الاقتصادية.
وبينما قد تكون هذه التراجعات ضرورية لتعديل التقييمات المرتفعة، فإن استمرار عدم الوضوح بشأن السياسات التجارية والاقتصادية قد يؤدي إلى مزيد من التقلبات في الفترة المقبلة، مما يضع المستثمرين في حالة ترقب وحذر شديدين.