البنك الدولي: الجفاف يخفض مبيعات الشركات المغربية بنسبة 40%

كشف تقرير حديث للبنك الدولي بعنوان “تحول في المسار: القطاع الخاص كمحرك للنمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا” عن وجود تحديات جوهرية تواجه المملكة المغربية في سعيها لتعزيز دور القطاع الخاص كمحرك رئيسي للنمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل، وذلك على الرغم من التطورات الاقتصادية التي حققتها.
و يُشير التقرير إلى أن حيوية القطاع الخاص في المغرب لا تزال أقل من الطموحات، حيث تُظهر تحليلات بيانات تسجيل وتعداد المؤسسات – وهي بيانات نادرة ومتاحة في المغرب مقارنة بدول المنطقة – أن معدلات دخول وخروج الشركات من السوق لا تعكس بيئة اقتصادية تتمتع بالمرونة الكافية أو تُشجع على المنافسة الصحية.
فمعدل تأسيس شركات جديدة لا يتجاوز 6% سنويًا، بينما تتراوح نسبة الإغلاق بين 6 و 8%، وهو ما يعكس صعوبات بنيوية تعيق قدرة السوق المغربي على التجدد والتكيف مع المتغيرات الاقتصادية.
و في سياق تحليل إنتاجية العمل، أوضح التقرير أن نمو القطاع الخاص المغربي السنوي لم يتعد 2.2%، وهو معدل يعتبر منخفضًا بالنظر إلى الإمكانات البشرية والبنية التحتية المتاحة.
ويعزو البنك الدولي هذا الأداء المتواضع إلى محدودية الديناميكية الداخلية للشركات، حيث لم تتمكن المؤسسات ذات الإنتاجية العالية من توسيع حصتها السوقية على حساب الشركات الأقل كفاءة، مما أدى إلى تبديد جزء كبير من الإمكانات الكامنة لتحسين الإنتاجية الإجمالية.
لا تتوقف التحديات عند الجوانب الهيكلية، بل يُسلط التقرير الضوء بقوة على المخاطر المناخية التي تُؤثر بشكل مباشر على أداء الشركات في المغرب.
فبناءً على بيانات الأقمار الصناعية والجيولوجية، يُظهر التقرير أن موجات الجفاف، التي تُقاس بانخفاض معدل الأمطار عن المتوسط التاريخي، تُؤدي إلى انخفاض كبير في مبيعات الشركات المغربية يصل إلى 40%، وتراجع في إنتاجية العمل بنحو 42%.
ويُعزى ذلك إلى لجوء الشركات المتضررة إلى العمالة المؤقتة وارتفاع معدلات الغياب لأسباب صحية، مما يزيد من هشاشة القطاع أمام الصدمات الخارجية.
و يُؤكد التقرير أيضًا أن هذه الصدمات المناخية تُعيق قدرة الشركات المغربية على الاستثمار، حيث يُسجل تراجع بنسبة 9 نقاط مئوية في نية الاستثمار لدى الشركات بعد موجات الجفاف.
ويُرجع ذلك إلى صعوبات الحصول على التمويل البنكي وارتفاع أسعار الفائدة نتيجة لتزايد المخاطر المرتبطة بالأداء المالي للمؤسسات، بالإضافة إلى تدهور الأوضاع المالية بسبب انخفاض الإيرادات وتراكم الديون.
يُشير التقرير إلى أن المغرب، على الرغم من امتلاكه لقاعدة بيانات مهمة مثل التسجيلات الاقتصادية الرسمية والتعدادات، يحتاج، كباقي دول المنطقة، إلى تعزيز انفتاحه على البيانات وتحسين جودة ونشر الإحصاءات الاقتصادية.
وهذا من شأنه أن يُتيح تحليلاً أكثر دقة لأداء السوق وتوجيه السياسات العامة نحو القطاعات الأكثر إنتاجية. ويُلاحظ أن المغرب يُعد من بين الدول القليلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي قامت بتعداد اقتصادي شامل منذ عام 2014، مما يضعه في موقع جيد نسبيًا ولكنه لا يزال بحاجة إلى تطوير هذا المجال.
في سياق آخر، يُبرز التقرير إحدى أبرز الإشكاليات الهيكلية التي يُواجهها الاقتصاد المغربي، والمتمثلة في التنافس غير المتكافئ بين القطاعين العام والخاص على الكفاءات.
فحوالي 8.25% من إجمالي العاملين في المغرب يشتغلون في القطاع العام، وهو مستوى أقل من دول أخرى في المنطقة، لكنه لا يزال يُشكل ضغطًا على السوق الخاصة ويجعل القطاع العام جاذبًا للمواهب بسبب الاستقرار والمزايا، على حساب تطوير المهارات والمنافسة في القطاع الخاص.
يختتم التقرير بدعوة إلى ضرورة إعادة التفكير في دور الدولة في الاقتصاد، ليس كفاعل مباشر بل كمنظم ومحفز للمنافسة.
ويتحقق ذلك من خلال تحسين مناخ الأعمال وتكافؤ الفرص بين الشركات، وتمكين النساء والشباب من دخول سوق العمل، وتخفيف الإجراءات البيروقراطية، وتوسيع نطاق الإصلاحات الضريبية والمالية التي تُسهل حصول الشركات على التمويل، خاصة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تُعدّ عصب الاقتصاد المغربي.