الاقتصاد العالمي في مواجهة ثلاث فقاعات: الذكاء الاصطناعي والعملات الرقمية والدين المتصاعد

مع تصاعد المخاوف من اضطرابات مالية عالمية، يجد خبراء الاقتصاد أنفسهم مضطرين للعودة إلى صفحات التاريخ، محاولةً استخلاص الدروس من الفقاعات المالية السابقة لفهم المشهد الراهن. اليوم، يواجه العالم ما يمكن وصفه بثلاث فقاعات متزامنة: الذكاء الاصطناعي، العملات المشفرة، والدين العالمي، وهي مزيج يذكر بالمغامرات المالية الكبرى التي شهدها التاريخ.
تشبه الحماسة الحالية للاستثمار في بنية تحتية للذكاء الاصطناعي حمى السكك الحديدية البريطانية في القرن التاسع عشر، في حين تذكر العملات الرقمية بحمى زهور التوليب الهولندية في القرن السابع عشر.
أما الدين المتصاعد فيشبه تلك الديون التي جرى استخدامها تاريخياً لمواجهة طموحات نابليون في أوروبا.
ومع ذلك، يحذر المحللون من أن هذه المقارنات ليست كاملة، فالتعقيدات الحالية للاقتصاد العالمي تجعل التنبؤ بالنتائج أكثر صعوبة.
تتطلب المشاريع الضخمة في مجال الذكاء الاصطناعي تدفقاً هائلاً من الأموال. ففي الأشهر الثلاثة المنتهية في أكتوبر الماضي، جرى ضخ 57 مليار دولار في شركة “إنفيديا”، الرائدة في تصنيع الرقائق الخاصة بالذكاء الاصطناعي.
ومع استمرار المبيعات القياسية، إلا أن التحذيرات من الإفراط في تمويل مشاريع رقمية غير مربحة تتزايد، خصوصاً مع ظهور مصطلح “مقايضة التخلف عن السداد”، الذي يعكس المخاطر المرتبطة بالديون المخصصة للبنية التحتية الرقمية، مشابهة لما حدث قبل أزمة 2008.

في ظل المخاطر المتصاعدة في قطاع الذكاء الاصطناعي، شهدت الاستثمارات عالية المخاطر، خصوصاً العملات الرقمية، تراجعاً ملحوظاً. الانخفاض الأخير في سعر البيتكوين أثار مخاوف من انهيار أوسع في سوق العملات الرقمية، وتحذر بعض التحليلات من أن تقلبات البيتكوين قد تكون مؤشراً مبكراً لتراجع محتمل في أصول أخرى، خصوصاً مع تحول بعض الشركات من تعدين العملات الرقمية إلى بناء مراكز بيانات للذكاء الاصطناعي.
الفقاعة الثالثة والأكثر إثارة للقلق تتعلق بالديون العامة والخاصة، والتي تجاوزت 100 تريليون دولار عالمياً، مع زيادة أسرع من الفترة التي سبقت الجائحة.
في بعض الدول مثل كينيا، يذهب أكثر من نصف الإيرادات لسداد الدين، فيما يقترب عبء الدين الأمريكي من مستويات ديون إيطاليا واليونان، المعروفة بضعف مالية حكوماتها.
وعند احتساب الدين الخاص، يصبح الحجم الإجمالي أكثر من ثلاثة أضعاف الناتج الاقتصادي العالمي، مع جزء كبير مخصص لتمويل بنية تحتية للذكاء الاصطناعي.

ففي الولايات المتحدة وحدها، أصدرت أربع شركات رائدة حوالي 90 مليار دولار من السندات الاستثمارية منذ سبتمبر الماضي.
طالما تم تمويل مشاريع الذكاء الاصطناعي من الأرباح التشغيلية، كانت المخاطر محدودة، لكن الاعتماد المتزايد على الاقتراض رفع تكلفة التمويل وأظهر المخاطر بوضوح، حيث اقتربت أسعار بعض السندات من مستويات قياسية تعود لأزمة 2008.
رغم ذلك، يواصل العالم بناء مراكز البيانات، مع وجود حوالي 12 ألف مركز حول العالم، نصفها في الولايات المتحدة، فيما تسعى أوروبا لتقليل الفجوة الجغرافية عبر استثمارات ضخمة لإنشاء “مصانع جيجا” للذكاء الاصطناعي، محاولةً حماية الأسواق من تشبع العرض.
تاريخياً، أفرزت بعض الفقاعات مثل حمى التوليب وسكك الحديد البريطانية خسائر قصيرة المدى لكنها أضافت قيمة على المدى الطويل.
واليوم، يواجه الاقتصاد العالمي تحدياً معقداً بثلاث فقاعات متشابكة، يصعب التنبؤ بنتائجها النهائية.
ومع ذلك، يمكن للتخطيط الاستراتيجي، والوعي بالمخاطر، والاستثمار المدروس أن يحول هذه التحديات إلى فرص اقتصادية مستدامة.




