Bitget Banner
الاقتصادية

الاقتصاد الإنساني: كيف طبّقت دوفلو العلوم التجريبية لتحرير الفقراء؟

لم يكن أحد ليتنبأ بأن الطفلة التي وُلدت في باريس يوم الخامس والعشرين من أكتوبر عام 1972، ستُحدث تحولًا عميقًا في فهم العالم للفقر والتنمية.

بفضل شغفها الدؤوب بالعدالة الاجتماعية ونهجها العلمي الدقيق، أصبحت إستير دوفلو ثاني امرأة فقط في التاريخ تنال جائزة نوبل في الاقتصاد، وذلك عام 2019، مشاركةً مع أبهيجيت بانيرجي ومايكل كريمر.

تكريمًا لهم على منهجية مبتكرة أعادت رسم خريطة السياسات التنموية عبر التجريب المبني على الأدلة.

وسط عالم يعج بالنظريات الكبرى والمقاربات الكلية للتنمية، اختارت دوفلو ورفيقاها طريقًا مختلفًا. لم ينجرفوا وراء تعميمات فضفاضة، بل ركزوا على المشكلات الصغيرة والتفاصيل اليومية، مستخدمين أداة علمية مستوحاة من الطب.

من تقييم فعالية الوجبات المدرسية إلى تحسين جودة التعليم والرعاية الصحية، اعتمدوا نهجًا ميدانيًا صارمًا لا يترك مجالًا للتخمين أو الانطباعات، بل يستند إلى أدلة يمكن اختبارها وتكرارها في بيئات متعددة.

أنهت دوفلو دراستها في الاقتصاد والتاريخ ثم حصلت على درجة الماجستير في الاقتصاد، قبل أن تنال شهادة الدكتوراه من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) عام 1999.

c41b37ec f26d 4fd1 a12f 4ca709a1668a Detafour

لكن المسيرة لم تتوقف عند التدريس، بل كانت من مؤسسي “معمل عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر” عام 2003، الذي أصبح مركزًا عالميًا لتقييم السياسات التنموية اعتمادًا على التجريب والبيانات.

لم تكتفِ دوفلو بتقييم السياسات، بل أعادت النظر في الفرضيات الكلاسيكية حول السلوك الاقتصادي. سلطت الضوء على كيف تؤثر العوامل النفسية والاجتماعية في قرارات الأفراد، خاصة في البيئات الفقيرة.

بحوثها فتحت آفاقًا جديدة لفهم كيف يتخذ الناس قراراتهم اليومية، بدءًا من التعليم إلى الرعاية الصحية، موجهة السياسات التنموية نحو مقاربة أكثر إنسانية وواقعية.

من المحاور البارزة في أبحاث دوفلو تركيزها العميق على التمكين الاقتصادي للنساء. أثبتت أن تحسين تعليم النساء، وزيادة استقلاليتهن المالية، وتعزيز مشاركتهن في اتخاذ القرار داخل الأسرة والمجتمع، ليس فقط مطلبًا حقوقيًا، بل ضرورة اقتصادية لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة.

ناقشت دوفلو مفهوم “فخاخ الفقر” التي تحاصر الأفراد وتمنعهم من التقدم، مقترحة حلولًا عملية كتوسيع برامج الحماية الاجتماعية والتحويلات النقدية المباشرة.

ea1e79cc 10eb 4090 8f2c 0ebd4271df5d Detafour

لم تنظر لهذه البرامج كمسكنات، بل كأدوات تمكينية قادرة على تغيير المسار الاقتصادي للفئات المهمشة.

ربما كانت أهم مساهمة لإستير دوفلو هي دعوتها المستمرة لاعتماد سياسات عامة مبنية على الأدلة. طالبت بأن تُخضع كل السياسات لتقييمات ميدانية صارمة قبل تعميمها، بعيدًا عن الشعارات أو الأيديولوجيات.

نجح هذا النهج في التأثير على مؤسسات دولية وحكومات حول العالم، محدثًا نقلة نوعية في كيفية تصميم وتنفيذ البرامج التنموية.

لم تبقَ إنجازات دوفلو حبيسة قاعات الجامعات، بل امتد أثرها إلى ملايين البشر في المجتمعات الأكثر هشاشة.

ألهمت جيلًا جديدًا من الباحثين ليروا في العلم أداة تغيير حقيقي لا مجرد فهم نظري. وفي عالمٍ يواجه تحديات اقتصادية واجتماعية متصاعدة، تقدم تجربة دوفلو نموذجًا يُحتذى عن قدرة العلم على رسم مستقبل أكثر عدلًا وكرامة.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى