الاقتصادية

الاقتصاد الأخضر مقابل النمو التقليدي: صراع أم تكامل؟

في عالم يكتنفه عدم اليقين وتتعاظم فيه الأزمات المالية والبيئية، تصرّ الدول على استراتيجية “النمو أولاً” كطريق وحيد لتحقيق الاستقرار والتقدم.

غير أن هذا النهج المتبع قد يواجه اليوم تساؤلات جوهرية حول مدى فعاليته وقدرته على التعامل مع الأزمات المتشابكة التي تهدد مستقبل الاقتصاد والمجتمع.

في هذا السياق، يأتي كتاب دانيال ساسكيند “النمو: مراجعة شاملة” ليطرح رؤية متجددة، ترصد تاريخ النمو الاقتصادي بدءًا من عصور الركود الطويل وحتى الانفجار الصناعي وما تبعه من سباق عالمي لقياس النجاح عبر معدلات النمو السنوية للناتج المحلي الإجمالي.

غير أن الكتاب لا يغفل التبعات السلبية لهذا النمو المتسارع، مثل تدهور البيئة وتزايد الفجوة بين الطبقات الاجتماعية، مما ساهم في بروز تيارات مناهضة للنمو تسعى إلى ضبط أو حتى تقليل الوتيرة الحالية، حمايةً للكوكب ومستقبله.

ساسكيند، في وجه هذه الدعوات، يرفض التخلي عن النمو ويقترح إعادة صياغة مفهوم الازدهار، حيث يرى أن الأفكار والابتكار التكنولوجي هما المفتاح الحقيقي لاستدامة النمو وليس فقط تراكم رأس المال أو توسيع القوى العاملة.

كما يؤكد أن التقدم التكنولوجي ليس قوة خارجة عن السيطرة، بل يمكن توجيهه عبر سياسات ذكية كالضرائب البيئية وتحفيز البحث في تقنيات صديقة للبيئة.

Indonesia's transition to green economy

من الإضافات المهمة في الكتاب، إعادة البُعد الأخلاقي إلى صُنع القرار الاقتصادي، حيث يؤكد أن التوازن بين النمو والحفاظ على البيئة أو بين الكفاءة والعدالة ليس مجرد مسألة تقنية بل قرار يتطلب مشاركة مجتمعية وقيمًا أخلاقية.

ولهذا، يقترح ساسكيند آليات مثل مجالس المواطنين المصغرة لضمان أن تعكس السياسات القيم الحقيقية للمجتمع.

مع ذلك، يقر الكتاب بالتحديات الواقعية التي تواجه هذه الأطروحات، منها اعتماد بعض الدول على الاستثمارات المادية الضخمة لتحقيق النمو، بالإضافة إلى صعوبة التمييز بين الأفكار الهادفة والكم الهائل من الأبحاث التي قد تعوق الابتكار الحقيقي.

في خاتمة كتابه، يختتم ساسكيند بتفاؤل حذر، مع التركيز على ضرورة تطوير آليات فعالة لتوجيه الإبداع والابتكار نحو خدمة الصالح العام، مؤكدًا أن النمو ليس هدفًا في حد ذاته، بل وسيلة لتحقيق مستقبل أكثر استدامة وعدالة وإنسانية.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى