الاقتراض بلا سقف: كيف يقود الدين العام العالمي الاقتصاد نحو المجهول؟
قفز حجم الدين العام العالمي إلى رقم قياسي بلغ 103 تريليونات دولار في عام 2024، مسجلاً أكثر من ضعف مستوياته قبل 14 عامًا.
و لكن هذا التصاعد الحاد لم يكن متجانسًا بين مختلف مناطق العالم، حيث كانت الدول المتقدمة المحرك الرئيسي لهذا الارتفاع، بينما بدأت أسواق ناشئة في تعزيز حضورها الملحوظ في خريطة الدين الدولي.
تُظهر البيانات أن ديون الدول المتقدمة ارتفعت بنحو 65% منذ عام 2010، نتيجة سياسات مالية توسعية واعتماد متزايد على الاقتراض لمواجهة الأزمات الاقتصادية، وأبرزها تداعيات جائحة كورونا.
هذه الزيادة دفعت الدين العالمي إلى مستويات غير مسبوقة، مع بقاء الولايات المتحدة في صدارة الدول المدينة، حيث بلغ دينها العام 36 تريليون دولار، ما يعادل 120% من ناتجها المحلي الإجمالي.
في المقابل، تشهد اقتصادات الأسواق الناشئة تحولًا لافتًا، حيث ارتفعت حصة آسيا وأوقيانوسيا في الدين العالمي بأكثر من 400%، وحلت دول أمريكا اللاتينية حصة أكبر بنحو 150%، فيما تضاعفت نسبة ديون إفريقيا مقارنة بعام 2010.
هذا النمو المتسارع يعكس الدور المتنامي لهذه الاقتصادات في التمويل العالمي، رغم التحديات الاقتصادية التي تواجهها.
كان عام 2020 بمثابة نقطة فاصلة حاسمة في ديناميات الدين العالمي، إذ شهد أكبر زيادة سنوية بلغت 15%، نتيجة الإنفاق الاستثنائي الذي لجأ إليه معظم الدول للتعامل مع الأزمة الصحية والاقتصادية.
هذا الانفجار في مستويات الدين يكشف هشاشة التمويل العام في مواجهة الأزمات الكبرى، ويُظهر مدى اعتماد الحكومات على الاقتراض كوسيلة رئيسية لتخفيف الصدمات.
بحسب مكتب الميزانية في الكونجرس الأمريكي، فإن التعديلات الأخيرة على قانون الضرائب التي أقرها الرئيس دونالد ترامب ستزيد الدين الوطني الأمريكي بنحو 3.3 تريليون دولار خلال العقد المقبل، ما قد يدفع الدين العام إلى 125% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2034.
تطور الدين العام العالمي منذ عام 2010 | ||
العام | إجمالي الدين العالمي (تريليون دولار) | حصة الدول المتقدمة (تريليون دولار) |
2010 | 51 | 43 |
2011 | 58 | 48 |
2012 | 60 | 50 |
2013 | 60 | 49 |
2014 | 62 | 50 |
2015 | 59 | 47 |
2016 | 64 | 50 |
2017 | 66 | 51 |
2018 | 71 | 53 |
2019 | 73 | 54 |
2020 | 84 | 63 |
2021 | 92 | 67 |
2022 | 92 | 65 |
2023 | 97 | 68 |
2024 | 103 | 71 |
غير أن الأثر لا يقتصر على زيادة الدين فقط، بل تشمل التداعيات خفض إيرادات الضرائب بحوالي 4.5 تريليون دولار، وتقليص الإنفاق بمقدار 1.2 تريليون دولار، مع احتمال فقدان نحو 11 مليون أمريكي لتأميناتهم الصحية الحكومية خلال السنوات العشر المقبلة.
هذه الخطوات الأمريكية تزيد من الضغوط على المالية العامة في أكبر اقتصاد عالمي، ما ينعكس سلبًا على الدين العام ليس فقط داخل الولايات المتحدة، بل على المستوى العالمي. زيادة الإنفاق والتوسع في المديونية الأمريكية يُلقي بثقله على أسواق السندات العالمية، ويهدد بتصاعد تكاليف التمويل.
تتصاعد المخاوف بشأن قدرة الحكومات على الحفاظ على استقرار مالي مستدام مع اتساع الفجوة بين الإيرادات والنفقات. ارتفاع مستويات الدين قد يدفع المستثمرين لمطالبة عوائد أعلى، وهو ما يعني ارتفاع تكلفة الاقتراض دوليًا، ويزيد من حدة الضغوط على الميزانيات الحكومية.
بما أن سوق السندات الأمريكية تشكل ركيزة التمويل العالمي، فإن أي اضطراب فيها ينعكس سريعًا على مستويات السيولة وتكاليف التمويل في الأسواق الدولية.
كما أن تراجع ثقة المشترين الأجانب في سندات الخزانة الأمريكية يثير قلقًا متزايدًا، قد يؤدي إلى انخفاض الطلب وارتفاع عوائد السندات، مما يزيد الأعباء المالية على الحكومة الأمريكية والاقتصاد العالمي.
الدين العام العالمي يواجه اليوم تحديات هيكلية غير مسبوقة، حيث يشكل النمو السريع للديون في الدول المتقدمة والمحركات الاقتصادية الناشئة معًا معضلة تحتاج إلى إدارة حكيمة وسياسات مالية متوازنة.
فغياب الاستقرار المالي قد لا يقتصر على دولة أو منطقة، بل يمتد تأثيره إلى النظام المالي العالمي بأسره، في ظل تداخل الأسواق واعتمادها على أدوات تمويل مشتركة.
إدارة هذه الأزمة تتطلب تنسيقًا دوليًا وتوازنًا بين النمو الاقتصادي وضبط الدين، وإلا فإن الأعباء المتصاعدة ستلقي بثقلها على الاقتصاد العالمي، وقد تفتح الباب أمام أزمات مالية جديدة تهدد استقرار الاقتصادات الكبرى والصاعدة معًا.