الاقتصادية

الاستعمار الكربوني: كيف تتحمل دول الجنوب العبء البيئي لدول الشمال؟

أزمة المناخ ليست مجرد أرقام وإحصاءات عن الانبعاثات أو مؤتمرات دولية بلا نتائج فعلية، بل هي صراع حقيقي على الموارد وقوة تتحكم بها الدول الكبرى، بينما يدفع البشر العاديون الثمن بصمت.

في هذا السياق، يقدّم كتاب “الاستعمار الكربوني: كيف تُصدّر الدول الغنية الانهيار المناخي” للباحث لوري بارسونز رؤية جريئة لكيفية تحويل العولمة إلى أداة لاستمرار استغلال الموارد والعمالة في الجنوب العالمي، من خلال الكربون، سلاسل الإمداد، والقوانين البيئية غير العادلة.

يشدد بارسونز على أن الاستغلال الاقتصادي لم يختفِ، بل تحول شكله. فالاقتصاد العالمي لا يزال يعتمد على تدفق المواد الخام من الدول الفقيرة إلى الغنية، مع استخدام عمالة رخيصة تعمل في ظروف قاسية، دون حصة عادلة من الأرباح.

ويستعرض الكتاب تشظي سلاسل الإمداد، من الاستخراج إلى التصنيع ثم الاستهلاك والتخلص من النفايات، ما يسمح للدول الغنية بتقليص بصمتها الكربونية على الورق، بينما تواصل الاستفادة من الاستهلاك المرتفع.

يعرض بارسونز من خلال خبرته الميدانية في كمبوديا أمثلة حية على “تصدير الهشاشة المناخية”، حيث تخضع الشركات متعددة الجنسيات لقوانين بلدانها الأصلية بعيدًا عن المساءلة. هذا يترك العمال بأجور منخفضة، وساعات عمل طويلة، وبيئات عمل خطرة.

كما يؤكد أن الفقر وسوء السكن وضعف الرعاية الصحية تجعل هذه الفئات أكثر عرضة لتداعيات الاحتباس الحراري، بما في ذلك الجفاف، الأعاصير، والأضرار الصحية، ما يؤدي إلى موجات متزايدة من “المهاجرين البيئيين”.

6 Years Before Carbon Budget to Limit Warming to 1.5C Runs Out

ينتقد الكتاب ما يُعرف بـ”الغسل الأخضر”، حيث تسوّق الشركات نفسها كصديقة للبيئة بينما تخفي الأضرار الحقيقية لأنشطتها. ويشدد بارسونز على أن المبادرات الفردية، مثل شراء منتجات “خضراء”، غير كافية دون وعي نقدي وضغط جماعي لمحاسبة الشركات.

كما يوضح أن مؤتمرات المناخ العالمية مثل كوب 27 تشهد استمرار هيمنة الدول الغنية على صياغة الأجندات، بينما تكافح الدول النامية للحصول على التزامات حقيقية للتعويض عن الخسائر والأضرار.

يعرّف بارسونز “الرأسمالية الكربونية” بأنها تعهيد الانبعاثات من الدول الغنية إلى الفقيرة، حيث تُحسب الانبعاثات على الدول المضيفة للمصانع لا على الدول المستهلكة الكبرى. ويقترح الكتاب توسيع نطاق المحاسبة الكربونية، إلى جانب إصلاح القوانين البيئية والتجارية لضمان مزيد من العدالة والمساءلة.

يرى بارسونز أن الحل لا يكمن في المبادرات الفردية، بل في الاعتراف بجذور المشكلة وتفعيل العمل الجماعي وإعادة صياغة الإطار القانوني الدولي للمناخ.

كما يشير إلى أن الرؤى الثقافية التقليدية في مجتمعات الجنوب، التي تعتبر الطبيعة كيانًا ذا قيمة روحية وثقافية، تقدم دروسًا مهمة للدول المتقدمة التي اختزلت البيئة في معادلات الربح والخسارة.

في النهاية، يقدم الكتاب دعوة صريحة إلى تحول جذري في التفكير والعمل، يربط حماية الكوكب بتحقيق العدالة الاجتماعية والإنصاف بين الشعوب، مؤكدًا أن أزمة المناخ ليست مجرد خلل بيئي، بل نتاج مباشر لبنية اقتصادية وسياسية غير عادلة.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى