الاستثمار في زمن الحروب: كيف يوازن المستثمر بين المخاطر والفرص؟

في ظل تصاعد التوترات والنزاعات العسكرية حول العالم، تتجدد المخاوف لدى المستثمرين الذين يواجهون سؤالًا حاسمًا:
هل يفضلون الحفاظ على سيولتهم لتجنب الخسائر المحتملة، أم أنهم يغامرون بالاستثمار في الأسواق مستغلين التراجعات لتحقيق أرباح مستقبلية؟
هذا التساؤل يكتسب زخماً جديداً مع الأزمة الراهنة في الشرق الأوسط، بعد الهجمات الجوية الأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية في فوردو، ورد إيران بقصف قاعدة عسكرية أمريكية في قطر.
تتسم هذه الفترات بتقلبات شديدة في الأسواق، حيث تتقلب مشاعر المستثمرين بين الذعر والفرصة، ويتوقف رد فعلهم على حجم وطبيعة النزاع العسكري، بالإضافة إلى مدته وتداعياته السياسية والاقتصادية، مما يزيد من صعوبة التنبؤ باتجاهات الأسواق المالية.
تشير البيانات التاريخية إلى أن الأسواق المالية تمر غالبًا بفترة هبوط في الأسابيع الأولى عقب اندلاع نزاع عسكري، حيث يتراجع مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” بنسبة تقارب 5 إلى 6% في المتوسط.
لكن هذه الهبوطات تكون عادة قصيرة الأمد، إذ تبدأ الأسواق بالتعافي خلال فترة لا تتجاوز ثلاثة أسابيع، وتتجه لتحقيق مكاسب مهمة خلال العام التالي.
وقد أظهرت دراسات مثل تلك التي أجرتها شركة LPL Financial، والتي درست تأثير أحداث جيوسياسية كبرى منذ الحرب العالمية الثانية، أن الأسواق عادةً ما تتجاوز الذعر الأولي بسرعة.
وفي أثناء النزاعات الممتدة، تبرز قطاعات الدفاع والطاقة كمستفيدين رئيسيين، فيما تعود القطاعات الاستهلاكية والتكنولوجية إلى التعافي مع استقرار الأوضاع.
يمثل النقد وسيلة حماية للمستثمرين الباحثين عن الأمان والسيولة الفورية خلال الأزمات، لكنه لا يشكل حلًا طويل الأجل بسبب فقدان القيمة التدريجي بفعل التضخم، الذي يتفاقم عادة في أوقات النزاعات نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة والسلع الأساسية.
وبحسب الإحصاءات منذ عام 1928، تبلغ عوائد النقد السنوية نحو 3.3% فقط، ما يجعله الأقل جاذبية بين فئات الأصول.
لطالما ظل الذهب الملاذ المفضل في أوقات الاضطراب والتقلب، حيث يحتفظ بقيمته ويوفر حماية ضد التضخم وعدم اليقين الاقتصادي والسياسي. وحقق الذهب مؤخرًا ارتفاعات ملحوظة مع عوائد تاريخية تصل إلى حوالي 5% سنويًا، متفوقًا على النقد لكنه أقل عائدًا من الأسهم.
و على الرغم من التراجع المؤقت للأسهم مع اندلاع الأزمات، تظهر البيانات أن مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” حقق منذ عام 1928 عائدًا سنويًا متوسطًا يقارب 9.9%.
وتعتبر الأسهم، خصوصًا في قطاعات الدفاع والطاقة والسلع الأساسية، فرصًا واعدة للنمو خلال فترات النزاعات، مستفيدة من الطلب المتزايد والتقلبات السعرية.
مع تزايد الاهتمام بالعملات الرقمية مثل بيتكوين، بوصفها “ذهبًا رقميًا”، إلا أن تاريخها المتقلب خلال الأزمات العسكرية يظهر أنها ما زالت استثمارًا عالي المخاطر، مع تقلبات حادة وغياب الاستقرار، مما يجعلها غير ملاذ آمن تقليديًا في فترات النزاع.
و لا توجد استراتيجية واحدة تناسب جميع الأزمات، لكن خبراء الاستثمار يؤكدون على أهمية التنويع وإدارة المخاطر بحكمة. يُنصح بالاحتفاظ بسيولة نقدية تتراوح بين 10% و15% للاستفادة من فرص الشراء عند انخفاض الأسواق، وتخصيص نسبة مماثلة للاستثمار في الذهب كأداة تحوط.
مقارنة بين الأصول خلال الأزمات العسكرية
الأصل |
الميزة الأساسية |
المخاطر الرئيسة |
النقد |
سيولة فورية وسهولة اتخاذ القرار |
تآكل القوة الشرائية بفعل التضخم |
الذهب |
تحوّط ضد التضخم وعدم اليقين السياسي |
لا يدر عوائد تشغيلية |
الأسهم |
أعلى عوائد تراكمية على المدى الطويل |
تقلبات حادة عند الأزمات |
العملات الرقمية |
احتمالية نمو سريع ولامركزي |
تذبذبات شديدة وعدم استقرار تنظيمي |
أما الجزء الأكبر من المحفظة فيفضل توجيهه نحو الأسهم ذات الجودة العالية، مع التركيز على القطاعات المستفيدة من النزاعات مثل الدفاع والطاقة. ويمكن للمستثمرين الذين يتحملون المخاطر إضافة حصص محدودة من العملات الرقمية.
تشير التجارب التاريخية إلى أن النجاح في الاستثمار أثناء الأزمات العسكرية يتطلب ضبط النفس، وعدم الاستسلام للذعر، وإدارة متوازنة بين الأمان والمخاطرة.
فالمستثمرون الهادئون والمتأنيون هم من يحولون فترات الاضطراب إلى فرص ذهبية لتعزيز ثرواتهم على المدى الطويل، في حين قد يخسر المتسرعون فرصًا ثمينة أو يتكبدون خسائر غير ضرورية.