الاقتصادية

الاستثمار المُستحث : محرّك رئيسي في تعافي الاقتصادات أم مُضخّم للمخاطر؟

في عالم الاقتصاد، تعتبر العلاقة بين حجم الاستثمار ومعدل النمو الاقتصادي من القوى المؤثرة التي تحدد مسار دورات الأعمال.

و من بين المفاهيم الاقتصادية المهمة التي تبرز في هذا السياق هو مفهوم “أثر المسرّع”، الذي يسلط الضوء على التأثير المتبادل بين حجم الاستثمار والتغير في الناتج المحلي الإجمالي.

عندما يتسارع النمو الاقتصادي، ينعكس ذلك في زيادة ملحوظة في مستويات الاستثمار، حيث يتفاعل هذا الأخير بشكل متسارع مع تحولات النمو.

أما إذا شهد الاقتصاد تباطؤًا أو تراجعًا في معدلات نموه، فإن الانكماش في الاستثمار يصبح أكثر حدة، ويؤثر بشكل كبير على الأداء الاقتصادي العام.

عند ارتفاع دخل الأفراد وزيادة استهلاكهم للسلع والخدمات، تتطلب الشركات زيادة الإنتاج لتلبية الطلب المتزايد.

وهنا يظهر نوع من الاستثمار يُسمى “الاستثمار المُستحث”، حيث يتم تحفيز الشركات على زيادة استثماراتها لمواكبة الزيادة في الطلب. وتتمثل الاستثمارات الكبرى عادة في قرارات ضخمة ترتبط بزيادة القدرة الإنتاجية وتوسيع المنشآت.

ولكن، لاتخاذ هذه القرارات الاستراتيجية، تتطلب الشركات درجة عالية من الثقة بأن الظروف الاقتصادية التي تشهدها البلاد ليست مؤقتة، بل اتجاه طويل الأمد. الأمر الذي يجعل مشاريع البنية التحتية، التي تتطلب فترات طويلة لإتمامها، معرضة لفجوات زمنية بين الطلب المتزايد وبين الاستجابة الاستثمارية الفعلية.

تتأثر مستويات الاستثمار بشكل مباشر بتقلبات الدخل القومي، حيث كلما انتعش الدخل القومي، زاد الاستثمار.

بينما في حالة تراجع الدخل القومي، يتراجع الاستثمار بشكل مشابه. يعتمد تأثير هذا الارتباط على فرضية أن الشركات تسعى للحفاظ على نسبة ثابتة من رأس المال المستخدم بالنسبة للإنتاج الذي تحققه، مما يجعل من زيادة الطلب المحفز الأكبر لزيادة الاستثمار.

من الأمثلة العملية على تأثير “أثر المسرّع” هو ما حدث في عام 2021، حينما شهد العالم نقصًا كبيرًا في رقائق الحاسوب نتيجة لتداعيات جائحة كوفيد-19.

2a3abc81 87b0 47fb 83a2 5448c84e0d0d Detafour

في البداية، توقعت شركات السيارات انخفاضًا في الطلب، فخفضت طلباتها على أشباه الموصلات. لكن مع ازدياد الطلب بشكل مفاجئ، استدعى ذلك زيادة هائلة في الاستثمارات لتعويض النقص، بما في ذلك دعم حكومي عبر قانون “CHIPS for America Act” في الولايات المتحدة.

رغم أن العلاقة بين النمو الاقتصادي والاستثمار عبر “أثر المسرّع” تعد واضحة، إلا أن هناك عوامل قد تخفف من تأثيره. أبرز هذه العوامل تشمل:

المخزون المتاح: يمكن للشركات استخدام المخزون المتوفر لتلبية الطلب المتزايد دون الحاجة إلى استثمارات إضافية.

الطاقة الإنتاجية غير المستغلة: في حال وجود طاقة غير مستغلة، يمكن تعديل ساعات العمل أو الوردية بدلاً من شراء معدات جديدة.

ثقة الشركات: يعتمد القرار الاستثماري على مدى قناعة الشركات باستمرارية الطلب ونموه.

ارتفاع تكلفة المعدات: مع زيادة الطلب، يمكن أن تتضاعف أسعار الآلات والمعدات، مما يشكل عبئًا على الشركات.

القيود على عوامل الإنتاج: قد تواجه الشركات مشاكل في نقص الأيدي العاملة أو المواد الخام، مما يقلل من قدرتها على التوسع.

العمر الافتراضي للمعدات: الشركات قد تفضل الاستمرار في استخدام المعدات الحالية بدلاً من استبدالها إذا كانت ما تزال فعالة.

التعاقد الخارجي: الشركات قد تختار التوسع عبر التعاقد مع أطراف خارجية لتلبية الطلبات بدلاً من زيادة الإنتاج داخليًا.

e6272736 9db6 4eac 8a8d c990f6be15b0 Detafour

و يترتب على “أثر المسرّع” العديد من التداعيات الاقتصادية الهامة:

زيادة التقلبات الاقتصادية: الاستثمار يعد أكثر تقلبًا من الناتج المحلي الإجمالي، ما قد يؤدي إلى تقلبات حادة في مستويات الاستثمار حتى في فترات النمو المستقر.

تأثير عميق على الناتج المحلي الإجمالي: أي تباطؤ في معدل النمو يمكن أن يؤدي إلى تراجع الاستثمار، مما يعمق من الأثر السلبي على الاقتصاد.

في النهاية، يمثل “أثر المسرّع” مفهومًا أساسيًا لفهم ديناميكيات العلاقة بين الاستثمار والنمو الاقتصادي.

ومع ذلك، يتعين على الاقتصاديين وصناع القرار مراعاة العوامل المتعددة التي قد تعدل من توقيت وقوة هذا الأثر في الواقع الاقتصادي، لضمان اتخاذ استراتيجيات ملائمة في فترات التغيير الاقتصادي.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى