الاقتصادية

الاستثمار السلبي: هل يعيد تشكيل الأسواق المالية ويُضعف كفاءتها؟

يشهد العالم المالي تحولًا كبيرًا مع صعود الاستثمار السلبي، الذي يعتمد على صناديق المؤشرات التي تتبع أداء السوق دون محاولة التفوق عليه.

و يرى البعض أن هذا النهج يعيد تشكيل الأسواق المالية، مما يزيد من التقلبات ويجعل الأسعار أقل ارتباطًا بالعوامل الأساسية.

هذا التحول كان واضحًا خلال الاضطرابات التي شهدتها وول ستريت على خلفية طرح نموذج “ديب سيك”، مما أثار تساؤلات حول صحة نظرية كفاءة السوق.

تنص نظرية كفاءة السوق على أن أسعار الأسهم تعكس دائمًا جميع المعلومات المتاحة، مما يجعل من المستحيل على المستثمرين شراء أسهم مقومة بأقل من قيمتها الحقيقية أو بيعها بأسعار مبالغ فيها.

وفقًا لهذه النظرية، فإن محاولة التفوق على السوق من خلال التحليل الأساسي أو الفني هي مضيعة للوقت، لأن الأسعار تتكيف بسرعة مع أي معلومات جديدة. لذلك، تدعو النظرية إلى تبني استراتيجيات استثمار سلبية، حيث يكون السوق هو “الملك” الذي يحدد القيمة العادلة للأصول.

62ebfab2 76da 4ab8 ad24 8f8aa9736845 Detafour

على الرغم من انتشار نظرية كفاءة السوق، إلا أنها تواجه انتقادات كبيرة.

فقد أشارت دراسة حديثة نُشرت في مجلة “أمريكان إيكونوميك ريفيو” إلى أن زيادة الطلب على صناديق المؤشرات (الاستثمار السلبي) قد تقلل من استجابة المستثمرين لتغيرات الأسعار.

هذا يعني أن كل صفقة كبيرة يمكن أن يكون لها تأثير مبالغ فيه على السوق، مما يزيد من التقلبات ويجعل الأسعار أقل استنادًا إلى القيم الأساسية للأصول.

و مع تزايد شعبية الاستثمار السلبي، تراجع دور المستثمرين النشطين الذين يعتمدون على التحليل الدقيق للشركات والأسواق. وفقًا للبحث، فإن هذا التراجع يجعل السوق أقل ارتباطًا بالمعلومات الأساسية، مما يؤدي إلى تحركات أسعار لا تعكس القيمة الحقيقية للأصول.

وبالتالي، عندما تحدث عمليات بيع كبيرة، قد تتفاقم التقلبات بسبب نقص التفاعل السريع من المستثمرين النشطين، الذين كانوا في السابق يشترون الأسهم عندما تنخفض قيمتها.

هناك عدة عوامل يمكن أن تعطل كفاءة السوق، بما في ذلك عدم التماثل في المعلومات، وانخفاض السيولة، وتكاليف المعاملات المرتفعة، والعوامل النفسية مثل العواطف البشرية.

تطور التدفقات إلى صناديق الاستثمار النشطة والسلبية 

(بالمليار دولار)

العام

الاستثمار النشط

الاستثمار السلبي

2012

(160)

165.9

2013

91.2

293.6

2014

(29.2)

323.4

2015

(161.7)

306.9

2016

(327.4)

314.5

2017

(207.6)

491.2

2018

(270.6)

359.1

2019

(327.8)

197.4

2020

(363.8)

44.7

2021

(175.9)

585.6

2022

(408.3)

383.6

2023

(306.8)

299.2

2024

(377.3)

584.7

 

هذه العوامل يمكن أن تؤدي إلى فشل الأسواق في تحقيق التوزيع الفعّال للسلع والخدمات، مما يعطل توازن العرض والطلب. في بعض الأحيان، لا تؤدي الحوافز الفردية إلى نتائج عقلانية تفيد المجموعة ككل، مما يخلق فقاعات أو أزمات مالية.

على الرغم من أن نظرية كفاءة السوق تدعي استحالة التفوق على السوق بشكل مستمر، إلا أن هناك أمثلة عديدة لمستثمرين نشطين تمكنوا من تحقيق ذلك.

925e433d 0e6e 440d 854e 0b3ca2a3a61b Detafour

على سبيل المثال، تمكن وارن بافت من التفوق على السوق على مدى عقود، وهو ما يتعارض مع فرضيات النظرية. بالإضافة إلى ذلك، فإن فقاعات الأصول والأزمات المالية المتكررة توفر دعمًا إضافيًا لحجج منتقدي النظرية.

و تشير البيانات إلى أن 51% من الصناديق النشطة تفوقت على الصناديق السلبية من حيث الأداء خلال عامي 2023 و2024.

ومع ذلك، فإن الأداء على المدى الطويل يظهر صورة مختلفة، حيث تمكن 23% فقط من المديرين النشطين من التفوق على أقرانهم السلبيين خلال الفترة من 2009 إلى 2019. هذه النتائج تطرح تساؤلات حول أفضلية الاستراتيجية الاستثمارية التي يجب اتباعها.

و يبقى السؤال: هل الاستثمار السلبي يعيد تشكيل الأسواق المالية ويجعلها أقل كفاءة؟ أم أن نجاح بعض المستثمرين النشطين يدحض نظرية كفاءة السوق؟ الإجابة قد تعتمد على منظورك الاستثماري ومدى ثقتك في قدرة السوق على تحديد القيم العادلة للأصول.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى