الاتحاد الأوروبي على مفترق الطرق.. اختبار قيادته الجيوسياسية وأوراقه الاستراتيجية

يواجه الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع اختبارًا حاسمًا لقدراته على الصعيد الجيوسياسي، مع ملفات تمس مباشرة مصداقيته الدولية.
فبينما يسعى التكتل لإثبات نفسه كلاعب رئيسي، يبرز أمامه تحديان بارزان: تمويل أوكرانيا في مواجهة روسيا دون الاعتماد على واشنطن، وإبرام اتفاق تجاري موسع مع دول أميركا الجنوبية.
تتفاقم الضغوط على الاتحاد الأوروبي لدعم كييف بعد أن قلصت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب مساعداتها، مما يضع أوروبا أمام مسؤولية توفير التمويل اللازم للحفاظ على استقرار أوكرانيا العسكري والمدني.
وتتمحور الخطة الأوروبية على استخدام أصول روسية مجمدة في التكتل لمنح أوكرانيا قرضًا بقيمة 90 مليار يورو على مدار العامين المقبلين، على أن تُسدد هذه الأموال فقط حال إصلاح روسيا للأضرار الناتجة عن الحرب.
غير أن المشروع يواجه مقاومة من بعض الدول الأوروبية، مثل بلجيكا وفرنسا، خشية من تبعات قانونية محتملة، بينما تمارس الولايات المتحدة ضغوطًا لعدم المساس بهذه الأصول، معتبرة إياها أداة تفاوض استراتيجية في محادثات السلام. مع تزايد الضغوط، أصبح أمام القادة الأوروبيين مهلة قصيرة لحسم الملف قبل نفاد الموارد في أبريل المقبل.
في الوقت نفسه، يشكل توقيع اتفاق التجارة بين الاتحاد الأوروبي وتكتل ميركوسور، الذي يضم الأرجنتين والبرازيل وأوروغواي وباراغواي وبوليفيا، فرصة استراتيجية لإثبات قدرة أوروبا على تنويع شراكاتها الاقتصادية بعيدًا عن الولايات المتحدة والصين.
الاتفاق، الذي يعد الأكبر من نوعه للتكتل، يحمل قيمة رمزية عالية في مواجهة سياسات ترمب المتشددة تجاه التجارة، ويتيح فتح أسواق جديدة مع الحفاظ على المصالح الزراعية الأوروبية.
لكن العوائق لم تختفِ، إذ تضغط فرنسا لتأجيل التوقيع خوفًا من احتجاجات المزارعين، وهو ما قد يبطئ جهود أوروبا لتأكيد مكانتها الاقتصادية والجيوسياسية في نصف الكرة الغربي. ويعتبر دبلوماسيون أن أي تأجيل أو فشل في الاتفاق قد يضر بسمعة الاتحاد ويعكس ضعفاً في قدرته على لعب دور مستقل.
تأتي هذه التحديات في وقت تتعرض فيه أوروبا لضغوط متزايدة من أميركا والصين، وسط تحولات في النظام العالمي الجديد، حيث تسعى القوى الكبرى لفرض قواعد اللعبة. ويؤكد وزير الخارجية الإستوني مارغوس تساخنا أن “هذه لحظة اتخاذ القرار، ومصداقية أوروبا وأمنها وقيادتها على المحك”.
الملفات المرتبطة بأوكرانيا وميركوسور لن تحدد فقط مصير القارة على المدى القصير، بل ستشكل معيارًا لمدى قدرتها على شق طريقها كقوة جيوسياسية مستقلة. أي تأخير أو إخفاق قد يكون بداية لانحدار ممنهج في مكانة الاتحاد الأوروبي على الساحة الدولية، وفق مراقبين ودبلوماسيين.




