الاقتصادية

الإرهاق الذهني للقادة…الوباء الخفي الذي يفتك بالشركات الناشئة

في كل مرة تنهار فيها شركة ناشئة، يتسابق المحللون والخبراء إلى تشخيص الأسباب الظاهرة: تمويل غير كافٍ، سوق غير مناسب، أو قرارات استراتيجية خاطئة.

ولكن ماذا لو كانت كل هذه الأسباب مجرد واجهة؟ ماذا لو كان هناك “قاتل صامت” يعمل في الخفاء ويفتك بالبزنس من الداخل قبل أن ينهار خارجيًا؟

وراء الإحصائيات الصادمة — حيث يفشل حوالي 20% من الشركات في عامها الأول ونحو 50% خلال أول خمس سنوات — قصة لم تُروَ بالشكل الكافي.

ليست كل النهايات المفاجئة ناتجة عن نقص المال أو قلة الخبرة، بل كثير منها يرتبط بانطفاء الروح التي أشعلت شرارة المشروع.

The Hidden Epidemic: Executive Burnout in 2025 and What We Must Do About It

أحد رواد الأعمال الذي أسس 13 شركة عبر أربع قارات وفي صناعات متعددة، يكشف لنا من خلال تجربته أن السبب الأكثر خطورة لفشل المشاريع لا يُذكر في تقارير البنوك أو خطط الأعمال: إنه الإرهاق الذهني والنفسي للقادة.

تقارير مثل تلك الصادرة عن “SCORE” التابعة لإدارة الأعمال الصغيرة تُرجع الفشل في 82% من الحالات إلى مشاكل مالية، بينما يحمّل “الاتحاد الوطني للأعمال المستقلة” ضعف الإدارة وسوء التخطيط المسؤولية.

لكن كل هذه العوامل، كما يرى أصحاب التجربة، ليست سوى أعراض لمرض داخلي أعمق: انهيار طاقة القيادة.

الإرهاق ليس إحساسًا مؤقتًا بالتعب، بل حالة مستمرة تستنزف القدرة على التفكير بصفاء، واتخاذ قرارات واضحة، وتحمل الضغوط اليومية. القائد المُنهك يصبح رهينة لنفسه، ينطفئ حماسه، ويبدأ في اتخاذ قرارات عشوائية، أو أسوأ من ذلك: يتوقف عن اتخاذ أي قرار.

وتبدأ سلسلة الانهيار: أرباح تتآكل، موظفون يفقدون الحافز، فريق يتفكك، وثقة تُهدر. وكل ذلك بينما يظن الجميع أن “المشكلة في السوق” أو “في التمويل”.

Leadership Lessons From the Trenches: How Fast-Growth Founders Avoid Burnout

الإرهاق الذهني لا يُشخّص بسهولة. فالقادة عادة ما يخطئون في تفسيره: يظنونه نقصًا في الإنتاجية، أو يرمون اللوم على الفريق، أو يبدأون بتعديل الأهداف والخطط بشكل متكرر.

وفي كثير من الأحيان، لا يدركون أنهم في حرب خفية مع أنفسهم حتى تنهار المؤسسة.

الأخطر أن الإرهاق غالبًا ما يختبئ خلف صفات يُمدح عليها القائد: الصبر، الصلابة، العزيمة، والتحمل. لكنها حين تُستخدم كأقنعة لإخفاء التعب، تصبح مؤشرات تحذير لا إشادة.

ما يحتاجه القائد اليوم ليس أن يتحول إلى آلة لا تتوقف، بل إلى جدول مائي. هذا النموذج الطبيعي يُجسد القيادة الذكية: يتجاوز العوائق، لا يصطدم بها؛ يغيّر المسار، لا يتوقف؛ يتجدد، لا ينكسر.

وسر هذا النموذج هو الإلحاح الهادئ: ذلك الاندفاع المستمر والواعي نحو الهدف، بلا انفعالات زائدة، وبلا تردد أو تراجع.

في عالم يقدّس الإنجاز السريع والمظهر القوي، يُمكن للإلحاح الداخلي — ذلك الصوت الصادق الذي يدفعك للاستمرار — أن يكون أعظم حليف لك، وأصدق معيار على أنك لا تزال على الطريق الصحيح.

و إذا شعرت بأنك في دوامة من الإرهاق، فكر أولاً بالهدف من كل ما تفعله. عد إلى السؤال الجوهري:
“لماذا بدأت هذا المشروع من الأساس؟”
حين تجد الإجابة، ستجد معها القدرة على إعادة التوازن، لا فقط للمشروع، بل لذاتك أيضًا.

لا تنتظر الانهيار لتبدأ رحلة التعافي، ولا تجعل من صفاتك النبيلة عبئًا يضغط عليك في صمت. كن كالماء: مرنًا، متجددًا، وصامدًا.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى