الاقتصادية

الأصول البديلة تتصدر المشهد الاستثماري العالمي: كيف تغيّرت قواعد اللعبة المالية؟

مع تصاعد الضغوط على البورصات العالمية منذ عام 2022، بدأ المستثمرون يعيدون رسم خرائطهم المالية، متجهين نحو الأصول البديلة كوجهة أساسية للربحية والاستقرار على المدى الطويل.

هذا التحوّل جاء بعد سنوات من الاعتماد على الاكتتابات العامة وأسواق التمويل التقليدية، ليكشف عن رغبة المؤسسات الكبرى في الحصول على مرونة أكبر وتحكم أعلى في العوائد بعيدًا عن تقلبات البورصات.

تشير أحدث بيانات مؤسسة “بريكويين” إلى أن حجم الأصول البديلة المدارة عالميًا تجاوز 13 تريليون دولار في 2023، مع توقعات بأن تصل إلى أكثر من 23 تريليون دولار بحلول 2028.

وتشمل هذه الأصول الأسهم الخاصة، الديون الخاصة، رأس المال الجريء، صناديق التحوّط، العقارات والبنية التحتية، وهو ما يعكس تحول رأس المال نحو أدوات استثمارية أقل تقلبًا وأكثر قدرة على تحقيق أرباح مستقرة.

في هذا المشهد الجديد، لم يعد المستثمر التقليدي المسيطر على توجيه الأسواق، بل ظهرت كيانات كبيرة مثل صناديق الثروة السيادية وصناديق التقاعد الحكومية، التي أصبحت تمثل الممول الأكبر للأصول البديلة.

من جهة أخرى، تلعب شركات الأسهم الخاصة وصناديق التحوّط الدور الأبرز في خلق العوائد، مستفيدة من استراتيجيات تشمل إعادة هيكلة الشركات، الاستحواذات، وتمويل المشاريع الخاصة. هذا النوع من الاستثمار يمنح كبار المستثمرين ميزة واضحة في التحكم بالصفقات وتوقيت الخروج، مقارنة بالمستثمر الفردي.

تستند ربحية الصناديق البديلة إلى ثلاثة عناصر رئيسية: حجم الأصول المدارة، الرسوم الإدارية السنوية، ورسوم الأداء، وغالبًا ما تكون أعلى من المتوسط في الأسواق العامة نظرًا لتعقيد الاستثمارات وارتفاع المخاطر.

فقد تصل رسوم الإدارة إلى 2% سنويًا، مع رسوم أداء تصل إلى 20% من الأرباح الفعلية.

على سبيل المثال، استحوذت “بلاك روك” على “إتش بي إس إنفستمينت بارتنرز” بقيمة 12 مليار دولار في ديسمبر 2024، ما أضاف قاعدة ضخمة من الأصول عالية الرسوم، وأتاح للشركة تحقيق إيرادات ثابتة حتى قبل تحقيق الأرباح الفعلية.

ليست كل الأصول البديلة متساوية في تحقيق الربح. فقد تميزت أسواق الائتمان الخاص والأسواق الثانوية بعوائد مستقرة وسريعة، حيث بلغ حجم سوق الائتمان الخاص في الولايات المتحدة 1.5 تريليون دولار في 2024، مع توقع تجاوزه عالميًا خلال السنوات المقبلة، مستفيدًا من انسحاب البنوك من بعض شرائح الإقراض.

كما ارتفع حجم التداول في السوق الثانوية للأسهم الخاصة إلى 162 مليار دولار في 2024، بزيادة 45% عن 2023، ما أتاح تصفية الحصص وإعادة هيكلة المحافظ بسرعة، محوّلًا السيولة إلى مصدر ربح بحد ذاته.

النجاح في عالم الأصول البديلة لا يعتمد فقط على حجم الأصول أو الرسوم، بل على قدرة المديرين على الوصول المبكر والمستمر للصفقات، وامتلاك فرق تشغيلية قوية لتعزيز أداء الشركات المستثمَر فيها.

تشير البيانات إلى أن فرق الإدارة الداخلية قادرة على رفع أرباح الشركات بنسبة تتجاوز 20% خلال سنوات قليلة، وهو تفوق واضح مقارنة بالصناديق التي تعتمد على النمو الطبيعي للأعمال فقط.

إضافة إلى ذلك، يسمح التنويع الاستراتيجي للمنصات بإنشاء منصات متكاملة تقدم خدمات متعددة وتحقق إيرادات من مصادر متنوعة، مثل الإدارة، الاستشارات، التمويل، وهيكلة الديون، ما يقلّل من تقلبات السوق ويضمن تدفقًا مستقرًا للإيرادات حتى في البيئات غير المستقرة.

في النهاية، يتضح أن التفوق في عالم الأصول البديلة يتجسد في الجمع بين ضخامة الأصول، استراتيجيات عالية الهامش، وقدرات تشغيلية وتمويلية قوية، ما يمنح اللاعبين الكبار أفضلية في الوصول للصفقات، خلق القيمة بسرعة، والتحكم في توقيت تحقيق الأرباح، ليصبحوا وحدهم صناع قواعد اللعبة في هذا القطاع الاستثماري المغلق.

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى