الاقتصادية

الأسواق المالية بين النشوة والحذر: هل يسيطر الخوف من فوات الفرصة على المستثمرين؟

شهدت الأسواق المالية مرحلة استثنائية من التذبذب الحاد خلال الأسابيع والأشهر الماضية، حيث لم تستثنِ هذه التقلبات أي قطاع، بدءاً من الأسهم، وصولاً إلى المعادن النفيسة، وانتهاءً بالعملات الرقمية.

فبينما كان المستثمرون يحتفلون بتسجيل العديد من الأصول قمماً تاريخية قياسية، لم تلبث هذه الأصول أن شهدت تراجعاً حاداً، ما أعاد عبارات مثل “في أدنى مستوياتها منذ أسابيع” للتداول في نشرات الأخبار والمحادثات الاستثمارية.

ومع هذا التباين الشديد في الأداء، تبرز فرص استثمارية جذابة تتطلب سرعة في اتخاذ القرار، الأمر الذي يغذي الشعور بـ “الخوف من فوات الفرصة” (FOMO) لدى المتداولين.

في المقابل، يرفع محللون ومستثمرون مخضرمون راية الحذر، محذرين من تراجع حاد محتمل أو حتى محتوم يلوح في الأفق، ما يجعل التحوط وحماية رأس المال في صلب الاستراتيجيات الاستثمارية الحالية.

لطالما كان سوق الأسهم مساحة لتوازن بين استغلال الفرص وتفادي المخاطر، لكن ارتفاع قيمة الأصول خلال الفترة الأخيرة زاد من صعوبة هذا الاختيار.

على سبيل المثال، ارتفع سهم شركة “أبل” بنسبة أكثر من 130% بين نوفمبر 2020 ونوفمبر 2025، لتتجاوز قيمتها السوقية 4 تريليونات دولار في نوفمبر 2025، ما جعل كثيرين يعتبرونها “فرصة لا تفوت”.

إلا أن أبل تواجه تحديات كبيرة تشمل تباطؤ الابتكار مقارنة بالمنافسين في الذكاء الاصطناعي، ضغوط تنظيمية أوروبية، وتحديات في سلاسل الإمداد مع زيادة التكاليف التشغيلية. كما تواجه الشركة منافسة قوية في أسواق رئيسية مثل الصين وتراجعاً في الطلب على الهواتف الذكية، ما يزيد الاعتماد على إيرادات آيفون.

وبالرغم من هذه المخاطر، يواصل المستثمرون شراء الأسهم خوفاً من “فوات الاتجاه الصاعد”، وهو ما يساهم في استمرار صعود السوق.

و شهدت الأسواق الأمريكية خلال عامي 2020 و2021 صعوداً شبه جماعي، حيث ارتفعت أسعار 97% من الأسهم، مدفوعة بدخول مستثمرين جدد بدون خبرة كبيرة، ما خلق موجة صعودية مؤقتة. وتعرض هؤلاء لاحقاً لخسائر كبيرة عند تصحيح السوق بين نوفمبر 2021 ويونيو 2022 بنسبة 20%.

في المقابل، يبرز الاستثمار في أسهم التحوط أو القطاعات الأقل مخاطرة، مثل العقارات، كخيار لتفادي التقلبات الكبيرة، حيث يحقق المستثمر عوائد ثابتة تتراوح حول 4% سنوياً مع حماية رأس المال من التضخم.

وتشير الدراسات إلى أن معظم المتداولين، نحو 84%، يفضلون الاستثمار في الأسهم ذات “الفرص العالية”، بينما يسعى الآخرون إلى استراتيجيات أقل مخاطرة كالذهب والعقارات وصناديق التحوط.

تقدم سوق البيتكوين مثالاً واضحاً على مخاطر الخوف من “فوات الفرصة”، إذ تراجع السعر في منتصف نوفمبر 2025 تحت مستوى 94 ألف دولار بعد أن سجل سابقاً قمماً تجاوزت 122 ألف دولار.

هذا التراجع يوضح أن الارتفاعات غير المدعومة بأساسيات قوية قد تتبدد بسرعة، ما يثير المخاوف من تكرار سيناريو “فقاعة الذكاء الاصطناعي” في أسواق الأسهم.

تشير الدراسات إلى أن الشركات ذات التقييمات المرتفعة غالباً ما تخصص نسباً كبيرة من إيراداتها للبحث والتطوير، خاصة في قطاع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. بينما يُعد هذا الإنفاق إيجابياً على المدى الطويل، إلا أن المخاطرة تبقى عالية، خصوصاً عند عدم قدرة الشركات على تحويل هذه الاستثمارات إلى أرباح ملموسة.

لذلك، ينصح الخبراء بالتحليل الدقيق للأساسيات قبل ضخ رأس المال، وعدم الاستجابة فقط للاتجاه الصاعد في السوق. يبقى التحوط والاستراتيجية المدروسة السبيل الأكثر أماناً لحماية رأس المال، مع عدم تفويت الفرص الحقيقية التي يمكن أن تحقق نمو مستدام.

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى