الأسواق العالمية في مواجهة الاضطرابات: هل أصبح التجاهل سلاح المستثمرين؟

لطالما كانت التوترات الجيوسياسية تمثل عامل قلق أساسي للمستثمرين، لا سيما عندما تتعلق بأسواق الطاقة أو مناطق حساسة مثل مضيق هرمز.
لكن المشهد الحالي يشهد ظاهرة جديدة، حيث تبدو الأسواق العالمية غير متأثرة إلى حد كبير بالتصعيد المتصاعد بين إيران وإسرائيل، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كان تجاهل المخاطر السياسية بات استراتيجية مقبولة في الأسواق المتقدمة.
تجاوزت المخاطر الجيوسياسية حدودها التقليدية لتتداخل مع عوامل أخرى، منها غموض مستقبل الرسوم الجمركية المتبادلة التي فرضتها إدارة الرئيس “دونالد ترامب”، والتي من المتوقع انتهاء فترة تعليقها في 9 يوليو.
بالإضافة إلى ذلك، لم يشكل التوسع في العجز المالي الأمريكي مصدر قلق كبير للمستثمرين، رغم مشاريع قوانين الضرائب الجديدة وارتفاع مؤقت في عوائد السندات طويلة الأجل، التي عادت للانخفاض مجدداً، مما يعكس ثقة الأسواق في متانة الاقتصاد الأمريكي وقدرة الاحتياطي الفيدرالي على التفاعل الفعال.
يرى المحلل “توم إيساي” من شركة “سيفنز ريبورت” أن الأسواق النفطية حافظت على تماسكها نتيجة لانخفاض الاعتماد على النفط الإيراني، مع صعود الولايات المتحدة كمصدر رئيسي للطاقة، إلى جانب وجود طاقات فائضة لدى دول منتجة أخرى، مما حد من أي تقلبات حادة في الأسعار رغم حالة التوتر الإقليمية.
يستند استقرار الأسهم والأصول الأمريكية على قوة ومرونة الاقتصاد الأمريكي خلال السنوات الماضية، لا سيما في التعامل مع جائحة كورونا ومخاوف التضخم التي شهدها العالم في 2022. كما تعزز ثقة المستثمرين في قدرة الاحتياطي الفيدرالي على دعم الاقتصاد من خلال استخدام أدوات السياسة النقدية المتنوعة.
بات من الواضح أن المستثمرين في الأسواق المتقدمة يتبنون نهجاً مشابهاً لمستثمري الأسواق الناشئة، حيث يفضلون تجاهل الضجيج السياسي والتركيز على الفرص الاستثمارية، مع الحرص على تنفيذ الصفقات بشكل متوازن. هذا التوجه يقلل من تأثير التقلبات السياسية قصيرة الأمد على محافظهم الاستثمارية.
مع تتابع الأخبار المتعلقة بالحرب التجارية والتوترات الجيوسياسية، يركز المستثمرون على جدوى العوائد، لا سيما مع استمرار عوائد السندات الأمريكية في مستويات جذابة، وغياب مؤشرات على انهيار النظام المالي، مما يحفزهم على استغلال الفرص بدلاً من التوقف عند الأخبار السلبية.
تشير تقارير “دويتشه بنك” إلى أن الأسهم الأمريكية تتراجع عادة بنسبة 6% عقب الصدمات الجيوسياسية، لكنها تستعيد خسائرها خلال ثلاثة أسابيع فقط. هذا النمط يفسر تجاهل الأسواق الأخيرة للتصعيد بين إيران وإسرائيل، حيث يثق المستثمرون بأن هذه النزاعات ستبقى محدودة ولن تؤدي إلى اضطرابات طويلة الأمد.
تضمنت تصريحات أعضاء مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأخيرة إمكانية خفض أسعار الفائدة في يوليو، في حال استمرار انخفاض الضغوط التضخمية، بعد تثبيت الفائدة لأربع اجتماعات متتالية، وهو ما يعزز من ثقة المستثمرين رغم التحديات السياسية والاقتصادية.
رغم هذا الاستقرار الظاهري، تتصاعد المخاطر مع تصعيد الولايات المتحدة ضرب المنشآت النووية الإيرانية، ورد طهران بتهديدات توسعة العمليات العسكرية وإغلاق مضيق هرمز الحيوي.
هذه التطورات قد تؤدي إلى ارتفاع جديد في أسعار النفط وتفاقم الضغوط التضخمية على الاقتصاد العالمي. يبقى السؤال المحوري: هل سيظل المستثمرون متجاهلين للمخاطر، أم أن الأسواق تستعد لعاصفة قادمة؟