اقتصاد الظل بالمغرب..مليارات “تحت الطاولة” تستنزف الخزينة وتهدد العدالة الضريبية

كشفت تقارير اقتصادية عن حجم هائل من الأموال، تُقدر بالمليارات، يتم تداولها “تحت الطاولة” وخارج إطار الحسابات الوطنية في المغرب.
هذه المبالغ، التي لا يتم الإفصاح عنها إما للتهرب من الضرائب المستحقة أو لأنها ناتجة عن أنشطة تجارية غير قانونية، تتسبب في خسارة فادحة للموارد المالية للدولة.
وقد تفشت هذه الممارسات في مختلف القطاعات التجارية، حتى تحولت إلى ما يشبه “ثقافة” سائدة، يتم التعايش معها وكأنها سلوكيات مشروعة.
ففي قطاع العقارات، يلجأ بعض المنعشين إلى إبرام عقود بيع مع المشترين بأسعار تقل بنسبة 10% أو أكثر عن السعر الحقيقي، بهدف التهرب من الالتزامات الضريبية.
وعندما فطنت إدارة الضرائب لهذه التلاعبات واعتمدت أسعارًا مرجعية للمعاملات العقارية، لجأت شركات الإنعاش العقاري إلى حيل جديدة، مثل مطالبة الزبائن بالتوقيع على ملاحق للعقود الأصلية تتعلق بإنجاز أشغال وهمية في الشقق المقتناة، وذلك لتحصيل مبالغ إضافية غير مصرح بها.
وفي القطاع الصحي، يفرض بعض الأطباء على المرضى دفع مبالغ “تحت الطاولة” بالإضافة إلى التكاليف المصرح بها لشركات التأمين، وذلك للتهرب من الإفصاح عن دخلهم الحقيقي لإدارة الضرائب.
ولا تقتصر هذه الممارسات على هذين القطاعين فحسب، بل تمتد لتشمل مجالات أخرى يسيطر عليها المضاربون ويفرضون أسعارًا مضاعفة لما هو محدد، مثل أسعار تذاكر الملاعب أو حافلات النقل بين المدن خلال المناسبات التي تشهد إقبالًا كبيرًا.
وينسحب هذا السلوك على نطاق واسع في مختلف المعاملات التجارية، بهدف وحيد هو التهرب من أداء الضرائب المستحقة.
وعلى الجانب الآخر، تلجأ بعض الشركات والملزمين إلى تضخيم التكاليف بهدف تقليل الأرباح المصرح بها ودفع ضرائب أقل، وذلك بالاعتماد على فواتير وهمية أو عمليات مالية احتيالية. ويُعتبر القطاع غير المهيكل بيئة خصبة لازدهار هذه الممارسات، التي تشمل مبالغ مالية ضخمة تقدر بالمليارات، وفقًا لدراسة أجراها الاتحاد العام لمقاولات المغرب.
ورغم تبني العديد من الإجراءات من قبل السلطات والهيئات المهنية لمكافحة هذه الظاهرة، فإنها لم تنجح في منع استمرارها وتفاقمها. فقد اعتمدت المديرية العامة للضرائب والمحافظة العقارية أسعارًا مرجعية موحدة للعقارات بالشراكة مع المنعشين العقاريين، بهدف ضمان شفافية أكبر في المعاملات العقارية والتصريح بالأسعار الحقيقية.
كما حثت الفدرالية الوطنية للمنعشين العقاريين أعضائها على إشهار الأسعار الحقيقية على واجهات مشاريعهم السكنية.
إلا أن هذه الإجراءات لم تمنع بعض المنعشين من الاستمرار في التعامل بـ “النوار” وعدم التصريح بالأسعار الحقيقية. وبالمثل، ألزمت وزارة الصحة المصحات بالإعلان عن أسعار خدماتها في أماكن بارزة، لكن بعض الأطباء ما زالوا يفرضون رسومًا إضافية غير مصرح بها.
ونتيجة لذلك، تخسر خزينة الدولة مليارات الدراهم سنويًا بسبب عدم التصريح بالأسعار الحقيقية للمعاملات.
وتشير تقارير صادرة عن الجمارك والمديرية العامة للضرائب، بالإضافة إلى نتائج بعض الدراسات، إلى أن خسائر الخزينة العامة من تعاملات “النوار” تقدر بآلاف الملايير، مما يستدعي تحركًا عاجلًا وحازمًا لمكافحة هذه الظاهرة التي تهدد الاقتصاد الوطني وتقوض مبادئ العدالة الضريبية.