الاقتصادية

استراتيجيات الشركات لاستعادة حصتها السوقية في بيئة تنافسية

في عالم الاقتصاد الرأسمالي الذي يعتمد على مبادئ السوق الحرة، تتشابك الفرص والتحديات في ديناميكية مستمرة، مما يجعل التنافس بين الشركات أمرًا بالغ الأهمية.

على الرغم من أن هذا النظام يعد محركًا أساسيًا للنمو والابتكار، فإنه يشهد أيضًا صراعات شديدة بين الكيانات التجارية. تتطلب هذه البيئة من الشركات أن تتنافس بشراسة للحفاظ على مركزها التنافسي؛ إذ أن فقدان هذا المركز قد يؤدي إلى فقدان العملاء، تدهور الأرباح، وقد يصل إلى خطر الإفلاس.

ومن هنا تبرز أهمية الحصة السوقية، والتي تعد مقياسًا حاسمًا لأداء الشركة في السوق. فهي تمثل نسبة مبيعات الشركة مقارنة بإجمالي المبيعات في السوق المستهدف.

وكلما اتسعت هذه الحصة، ارتفعت فرص الشركة في تحقيق ربح أعلى، وهو ما أكدته الدراسات الاقتصادية منذ سبعينيات القرن الماضي.

استراتيجيات الشركات لاستعادة حصتها السوقية

أولًا: إعادة هندسة السياسات التسعيرية: سلاح ذو حدين

– يُعدّ خفض الأسعار أحد الأساليب المباشرة والجذابة لاستعادة العملاء الذين ربما تحولوا نحو الشركات المنافسة.

– قد تكون هذه الاستراتيجية فعّالة، خاصة بالنسبة للشركات الكبرى التي تتمتع بميزات وفورات الحجم، مما يمكنها من تقليل تكاليفها الحدية بشكل ملحوظ.

– وقد تتكبد هذه الشركات خسائر مؤقتة بهدف إخراج الشركات المنافسة الأصغر حجمًا من السوق.

– ومع ذلك، تكمن الخطورة في صعوبة إعادة رفع الأسعار بعد خفضها دون خسارة العملاء، إلا إذا تمكنت الشركة من استعادة مركزها المهيمن وإضعاف المنافسين.

– علاوة على ذلك، لا تخلو هذه الاستراتيجية من خطر الانزلاق إلى ما يُعرف بـ “حروب الأسعار” المدمرة؛ فإذا بادر المنافسون بالرد بخفض أسعارهم بالمثل، فقد يتحول السوق إلى ساحة تنافسية سعرية تستنزف قدرات جميع الأطراف، وإن كانت قد تعود بالنفع على المستهلكين على المدى القصير.

ثانيًا: الترويج وإعادة التموضع الاستراتيجي

– في المقابل، تلجأ بعض الشركات إلى تكثيف حملاتها الترويجية والتسويقية بهدف تعزيز الوعي بعلامتها التجارية واستعادة ولاء جمهورها المستهدف.

– وقد يشمل ذلك زيادة الميزانيات الإعلانية، أو تعديل الرسائل التسويقية لتكون أكثر جاذبية وتوافقًا مع احتياجات وتفضيلات الجمهور المستهدف، أو حتى إجراء تغييرات جذرية في الهوية البصرية للعلامة التجارية لتعكس قيمًا جديدة أو تجدد جاذبيتها.

– بيد أن نجاح هذه الاستراتيجية لا يتوقف فقط على حجم الإنفاق المالي، بل يتطلب -أولاً وقبل كل شيء- تحليلًا دقيقًا للأسباب الجذرية وراء تراجع الحصة السوقية، والإجابة على تساؤلات محورية مثل:

– من هم العملاء الذين فقدتهم الشركة تحديدًا؟

– ما هي الدوافع التي أدت بهم إلى ترك العلامة التجارية والتحول إلى المنافسين؟
 

– ما هي الآليات والاستراتيجيات التي يمكن من خلالها استمالة هؤلاء العملاء واستعادتهم؟

– وفي هذا السياق، لا يمكن إغفال الدور الحيوي لخدمة العملاء المتميزة؛ فهي غالبًا ما تمثل نقطة الفصل الحاسمة بين ولاء العملاء طويل الأمد للعلامة التجارية وتحولهم السريع إلى المنافسين، حتى لو كانت عروض الأسعار لدى المنافس أكثر جاذبية.

– فخدمة العملاء الاستثنائية لا تحافظ على العملاء الحاليين فحسب، بل تجذب عملاء جددًا من خلال التوصيات الشفهية الإيجابية، مما يعزز جهود الشركة في الحفاظ على حصتها السوقية أو استعادتها.

ثالثًا: الابتكار وتطوير المنتجات والخدمات

– يُعد المنتج أو الخدمة حجر الزاوية في عمل أي شركة، وتحديثه أو تطويره بشكل مستمر قد يكون المفتاح لاستعادة القدرة التنافسية.

– فعندما تفقد الشركة جزءًا من قاعدة عملائها، قد يكمن الحل ببساطة في تقديم منتجات أو خدمات تلبي التطلعات المتغيرة لهذا الجمهور.

– وتُعد تجربة شركة آبل مثالًا حيًا على ذلك؛ ففي عام 2014، نجح إطلاق هاتف آيفون 6 في استعادة شريحة واسعة من المستخدمين الذين كانوا قد اتجهوا نحو أجهزة “أندرويد” المنافسة.

– لكن الأهم في هذه الاستراتيجية هو الالتزام طويل الأمد بثقافة الابتكار المستمر، لأن الأسواق تتسم بديناميكية عالية ولا ترحم الشركات التي تتقاعس عن التطور.

 

ولكن، ماذا تفعل الشركات التي تجد نفسها في مواجهة تراجع حصتها السوقية؟ كيف يمكنها استعادة مكانتها في خضم التنافس القوي؟

Growth at reasonable price stock strategy: 10 GARP stocks with up to 52%  price potential

للإجابة على هذه الأسئلة، نقدم ثلاث استراتيجيات رئيسية تتبناها الشركات لاستعادة حصتها المفقودة:

إعادة هندسة السياسات التسعيرية: تعديل الأسعار بما يتناسب مع احتياجات السوق وظروف المنافسة.

تطوير وتعزيز الاستراتيجيات الترويجية: تكثيف الحملات التسويقية التي تستهدف جمهورًا أوسع وتحقق تأثيرًا أكبر.

الابتكار المستمر وتحديث المنتجات والخدمات: تقديم منتجات جديدة وتحسين المنتجات الحالية لتلبية احتياجات السوق المتغيرة.

إن الحصة السوقية تعد أكثر من مجرد مؤشر للمبيعات، فهي تعكس قوة الشركة التنافسية، وتمنحها مزيدًا من القوة التفاوضية مع الموردين وولاء العملاء. وتتأثر هذه الحصة بمجموعة من العوامل المتداخلة، مثل:

استراتيجيات التسعير ومدى قدرتها على جذب العملاء.

جودة المنتجات والابتكار المستمر فيها.

مستوى الخدمة ورضا العملاء.

فعالية الحملات الترويجية ومدى وصولها إلى الجمهور المستهدف.

في الختام، لا يجب أن يُنظر إلى فقدان الحصة السوقية على أنه نهاية الطريق، بل هو فرصة لتقييم الوضع واتخاذ خطوات استراتيجية لإعادة التوازن.

الشركات التي تتمكن من تشخيص أسباب التراجع وتستجيب لها بفعالية ستكون الأفضل في استعادة قوتها التنافسية.

إن النجاح في هذه البيئة التنافسية يتطلب التزامًا قويًا بالابتكار المستمر وفهمًا دقيقًا لديناميكيات السوق المتغيرة واحتياجات المستهلكين.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى