ارتفاع الذهب يدفع البنوك المركزية والمستثمرين نحو الملاذ الآمن

يشهد الذهب موجة ارتفاع قوية منذ بداية عام 2025، وسط تزايد الإقبال عليه كملاذ آمن في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية.
ويعود هذا الزخم المتجدد إلى تنامي مشتريات البنوك المركزية، وضعف الدولار الأميركي، والتخوف من تداعيات السياسات التجارية المتشددة.
وفقًا لمجلس الذهب العالمي، بلغ صافي مشتريات البنوك المركزية من الذهب في شهر مايو 2025 نحو 20 طناً، وهو أعلى مستوى منذ ثلاثة أشهر، ويُعد هذا الشهر الرابع والعشرين على التوالي الذي تسجل فيه البنوك زيادة في احتياطياتها من المعدن الأصفر.
وعلى مدار العام الماضي، بلغ متوسط المشتريات الشهرية 27 طناً، حيث جاءت كازاخستان في صدارة المشترين، تليها تركيا، بولندا، وسنغافورة.
المؤشرات لا تشير إلى تراجع قريب في هذا الاتجاه؛ فقد أظهر مسح شمل 73 بنكاً مركزياً أن 95% منها تخطط لتعزيز احتياطيات الذهب خلال العام المقبل.
وتُعد هذه النسبة دليلاً واضحًا على التحول المتسارع في الاستراتيجية الاستثمارية للمؤسسات النقدية الكبرى، بعيداً عن الأصول المقومة بالدولار.
الصين تمثل أوضح مثال على هذا التحول؛ فمنذ 2015، ارتفعت نسبة احتياطيات الذهب في حيازتها من 1% إلى 6.5%، في مقابل تراجع حاد في حيازتها من سندات الخزانة الأميركية التي انخفضت من 44% إلى 22%.
هذا التغيير لا يعكس فقط تحولات مالية، بل يرتبط أيضًا بالتوترات السياسية المستمرة بين بكين وواشنطن، والتي دفعت صناع القرار إلى تقليص الانكشاف على الأصول الأميركية لصالح الذهب.
من الناحية السعرية، ارتفع سعر الذهب بنسبة 21% منذ بداية عام 2025، مسجلاً مكاسب تجاوزت 100% منذ عام 2021، ليصل سعر الأوقية إلى 3355 دولاراً.
في المقابل، يواجه الدولار الأميركي ضغوطاً شديدة، إذ فقد نحو 10.8% من قيمته خلال النصف الأول من 2025، في أسوأ أداء له منذ عام 1973.
ويتداول حالياً عند أدنى مستوياته منذ مارس 2022، ما يدفع المستثمرين إلى إعادة النظر في استراتيجيات التحوط التقليدية.
تتجه العديد من البنوك المركزية والمستثمرين العالميين إلى تقليص الاعتماد على الدولار والسندات الأميركية، لصالح الذهب الذي أثبت مجددًا أنه أحد أكثر الأصول أمانًا في أوقات عدم اليقين.
في ظل السياسات الحمائية والرسوم الجمركية التي تلوح في الأفق، خاصة مع تصعيد الخطاب التجاري من جانب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يبدو أن الذهب مرشح لمزيد من الزخم خلال الأشهر المقبلة.
وسط موجة متصاعدة من التحولات في السياسة النقدية العالمية، يعود الذهب إلى الواجهة كرمز للاستقرار والتحوط، مدفوعاً بخيارات استراتيجية تتبناها البنوك المركزية الكبرى، وبتراجع الثقة العالمي في الدولار.
وفي ظل بيئة مالية يسودها الحذر، يواصل المعدن الأصفر تأكيد مكانته كحارس للقيمة.