إيكيا: من فكرة طفولية في السويد إلى إمبراطورية أثاث عالمية

عالم الأثاث لم يعد كما كان قبل ظهور “إيكيا”. اليوم، تُعرف الشركة ليس فقط بتقديمها منتجات عملية وبأسعار في متناول الجميع، بل برحلتها الاستثنائية من مشروع طفولي بسيط في ريف السويد إلى علامة تجارية تحظى بحضور عالمي في عشرات الدول.
قصة إيكيا تثبت أن الرؤية الواضحة، والقدرة على الابتكار، والمرونة في مواجهة التحديات يمكن أن تصنع نجاحًا مستدامًا.
وُلد إينجفار كامبراد عام 1926 في أسرة سويدية متواضعة، وتعلّم منذ صغره قيمة العمل الجاد والادخار. عند سن السادسة، بدأ تجارته الأولى ببيع أعواد الثقاب التي كان يشتريها بالجملة ويبيعها في بلدته. ومع بلوغه السابعة عشرة، أسس شركته الخاصة باسم “إيكيا”، مستفيدًا من مكافأة دراسية من والده.
في البداية، لم يكن الأثاث ضمن خط الإنتاج؛ بل كانت الشركة تقدم سلعًا منزلية صغيرة تُسوق عبر كتالوجات وتُوزع باستخدام شاحنات الحليب.
لم يولد مفهوم الأثاث القابل للتفكيك كخطة استراتيجية، بل جاء نتيجة حل عملي لمشكلة نقل: عندما لم تتسع سيارة النقل لطاولة كاملة، قام أحد الموظفين بفك أرجلها. ومن هنا، وُلدت فكرة شحن الأثاث مفككًا، مما قلّل التكاليف ونقل مهمة التجميع إلى العميل، وأثبت أن التحديات اليومية غالبًا ما تحمل فرصًا للابتكار.
رؤية كامبراد لم تقتصر على السوق السويدية؛ فقد بدأ التوسع بحذر نحو الدول الإسكندنافية المجاورة، فافتُتح أول فرع دولي في النرويج عام 1963، ثم الدنمارك عام 1969. هذا النمو التدريجي مكّن الشركة من ترسيخ علامتها محليًا قبل التوسع الأوروبي.
دخلت إيكيا السوق الأوروبية عام 1973 من سويسرا، مستفيدة من فجوة السوق وارتفاع الأسعار لدى الشركات المحلية الصغيرة. النجاح المبكر في زيورخ تبعه توسع كبير في ألمانيا، أكبر سوق للشركة لاحقًا.
لكن تجربة اليابان لم تكن سهلة: فشل المنتج الأول بسبب اختلاف الثقافة وحجم الأثاث، مما علّم إيكيا أن المنتج يجب أن يتكيف مع العميل. وعند عودتها عام 2006، قدمت خدمات التوصيل والتركيب وأثاثًا مخصصًا، وحققت نجاحًا ملحوظًا.
يقوم نجاح إيكيا على ثلاث ركائز:
الهوية السويدية: التصميم البسيط، أسماء المنتجات المميزة، الشعار المستوحى من العلم السويدي، والطعام الذي أصبح جزءًا من تجربة التسوق.
الأسعار المعقولة: الأثاث المفكك، علاقات طويلة الأمد مع الموردين، وإشراك العملاء في عملية التجميع لزيادة القيمة النفسية.
تجربة التسوق: معارض ضخمة، غرف نموذجية تعرض المنتجات، وخدمات متكاملة مثل المطاعم وأماكن لعب الأطفال.
و على الرغم من نجاحها، تواجه إيكيا تحديات مثل جودة بعض المنتجات، المنافسة الإلكترونية، وتباطؤ الاقتصاد. وللتكيف، تحوّل الشركة متاجرها إلى مراكز لخدمة الطلبات عبر الإنترنت، وتتبنى استراتيجية الاستدامة تحت شعار “إيجابية للناس والكوكب”، بهدف أن تصبح شركة دائرية بالكامل بحلول 2030.
إيكيا ليست مجرد علامة تجارية؛ إنها قصة حقيقية عن قوة الرؤية، الابتكار العملي، والقدرة على تحويل حلم صغير في الريف السويدي إلى إمبراطورية أثاث عالمية مستمرة.