إندونيسيا تُشعل سوق النيكل… خفض الإنتاج يرفع الأسعار إلى ذروة جديدة

سجّلت أسعار النيكل قفزة قوية في بورصة لندن للمعادن، بعدما لوّحت إندونيسيا، أكبر لاعب في هذا السوق عالميًا، بتقليص إنتاجها ابتداءً من عام 2026، في خطوة أعادت الزخم إلى معدن أنهكته وفرة المعروض وانخفاض الأسعار خلال الفترة الماضية.
وخلال تداولات الأسبوع، ارتفعت عقود النيكل بنحو 5%، لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ عدة أشهر، مدفوعة بتصريحات رسمية صادرة عن وزير الطاقة والثروة المعدنية الإندونيسي، بهليل لهاداليا، أكد فيها أن جاكرتا تدرس خفض الإنتاج بهدف إعادة التوازن بين العرض والطلب ووضع حد لحالة الركود التي خيمت على السوق.
وبحسب بيانات بورصة لندن للمعادن، صعدت عقود النيكل لآجل ثلاثة أشهر إلى حدود 16.560 دولارًا للطن، وهو مستوى لم يُسجَّل منذ شهر مارس، ما يعكس الأثر الفوري لأي إشارة تصدر من إندونيسيا التي تهيمن على قرابة 70% من الإمدادات العالمية.
تستند جاكرتا في إدارتها لقطاع النيكل إلى نظام حصص التعدين المعروف بـRKAB، الذي يتيح للسلطات ضبط كميات الإنتاج والتحكم في تدفق الخام إلى الأسواق العالمية. ويقرأ متابعون تصريحات الوزير على أنها رسالة واضحة للأسواق بأن الحكومة مستعدة لتشديد القيود إذا استدعى الأمر دعم الأسعار.
غير أن هذه الخطوة تكشف في الوقت نفسه مفارقة لافتة؛ فإندونيسيا كانت المحرك الأساسي لفائض المعروض العالمي، بعدما شهد إنتاجها طفرة غير مسبوقة خلال العقد الأخير، مدفوعة بالاستثمارات الضخمة والحوافز الحكومية، ما حوّلها إلى مورد رئيسي للنيكل المستخدم في الفولاذ المقاوم للصدأ وصناعة بطاريات السيارات الكهربائية.
هذا التوسع السريع أغرق السوق بإمدادات تفوق الطلب، وأدى إلى ضغط طويل على الأسعار خلال عام 2025، بالتوازي مع تضخم المخزونات في مستودعات بورصة لندن للمعادن.
ورغم الهيمنة الإندونيسية، لم تكن البلاد بمنأى عن تداعيات التراجع السعري، خصوصًا مع فتور الطلب من قطاع البطاريات، الذي كان يُعوَّل عليه كمحرّك رئيسي للنمو.
فقد اتجه عدد متزايد من شركات السيارات الكهربائية إلى اعتماد تقنيات أقل تكلفة وأقل استهلاكًا للنيكل، مثل بطاريات فوسفات الحديد والليثيوم (LFP)، ما أضعف الآفاق طويلة الأجل للطلب على هذا المعدن.
في الوقت الذي أنعشت فيه التصريحات الرسمية المعنويات على المدى القصير، يرى محللون أن الطريق نحو تعافٍ مستدام لا يزال محفوفًا بالتحديات. فالبنك الدولي يتوقع أن يبلغ متوسط سعر النيكل نحو 16 ألف دولار للطن في عام 2027، وهو ما ينسجم مع المستويات الحالية، لكنه لا يعكس قفزة كبيرة.
في المقابل، ما زالت تقديرات بعض المنتجين الكبار، مثل شركة نورنيكل الروسية، تشير إلى استمرار فائض المعروض من النيكل المكرر، مع توقعات بتسجيل فائض يناهز 275 ألف طن متري في عام 2026.
ويجمع مراقبو السوق على أن أي تأثير فعلي لخطط إندونيسيا مرهون بعمق التخفيضات وصرامة تطبيقها، إلى جانب حدوث تحول حقيقي في جانب الطلب. وحتى ذلك الحين، قد تظل موجات الصعود محدودة السقف، في انتظار ما إذا كانت جاكرتا ستنجح فعلًا في إعادة رسم خريطة سوق النيكل العالمي خلال السنوات المقبلة.




