إلى متى سنظل نتحمل هيمنة الشركات الكبرى على الأسواق المالية؟
في مقال نشره “فرهاد مونغو” في “نيويورك تايمز”، تطرق إلى مسألة ازدياد تأثير الشركات العملاقة لإدارة الأصول على سوق الأسهم، مشيرًا إلى أنه لا بد من تساؤل جاد حول متى سنتخذ موقفًا حاسمًا ضد هذه الهيمنة الكبيرة.
تتزايد الانتقادات بشكل مستمر حول طريقة عمل سوق الأسهم الأمريكي، وخاصة تأثير الشركات الكبرى في إدارة الأصول على هذه الأسواق.
في هذا السياق، يرى الكثيرون أن السوق أصبح “غير عادل”، إذ تتمتع الشركات التي تدير تريليونات الدولارات من الاستثمارات بميزة تنافسية كبيرة، سواء من خلال قوتها المالية الهائلة أو عبر المعلومات الحصرية التي قد تكون بحوزتها.
و يتمثل التأثير الأكبر لهذه الشركات في ما يعرف بـ “الشركات الثلاث الكبرى” التي تتحكم في جزء كبير من سوق الأسهم الأمريكي. تتصدر هذه الشركات:
بلاك روك: تدير أكثر من 11 تريليون دولار من الأصول، ولها تأثير على حوالي 30% من سوق الأسهم الأمريكي.
فانغارد: تدير أكثر من 9 تريليونات دولار من الأصول، ولها تأثير على 25% من السوق.
ستيت ستريت: تدير أكثر من 4 تريليونات دولار من الأصول، ولها تأثير على 15% من السوق.
ورغم أن هذه النسب قد تبدو متداخلة نظرًا لتقاطع تأثيرات هذه الشركات، إلا أنه من الواضح أن تحركاتها تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر في الأسواق بشكل عميق.
يقدر البعض أن هذه الشركات الثلاث تسيطر على حوالي 70% من سوق إدارة الأصول في الولايات المتحدة.
وعلاوة على ذلك، يبلغ عدد عملائها عشرات الملايين حول العالم، سواء بشكل مباشر أو من خلال صناديق الاستثمار وصناديق التقاعد.
رغم انتقادات تأثير هذه الشركات على الأسواق، لا يخلو وجودها من فوائد كبيرة. وفقًا لتقرير من شركة “ماكنزي”، فإن عمالقة إدارة الأصول يسهمون بنسبة 30% من السيولة في السوق الأمريكي، مما يساهم في تحسين تنظيم عمليات التداول وتقليل تقلبات السوق.
أيضًا، تسهم هذه الشركات في تقليل تكاليف التداول للأفراد بنسبة تتراوح بين 20-30%، مما يساعد في تقليل التعقيدات المرتبطة بعملية الاستثمار.
كما تشير شركة “فانغارد” إلى أنها تمكن المستثمرين من تقليل تكاليف الوساطة والمستشارين، مما يساهم في تحسين إدارة الأصول وزيادة العوائد بنسبة 25-30%.
و رغم وجود بعض الفوائد، هناك عدد من العيوب التي تتعلق بسيطرة هذه الشركات على الأسواق. من أبرز هذه المخاطر هو “تركيز السلطة الاقتصادية العالمية” في أيدي هذه الشركات، وهو ما يتيح لها القدرة على التأثير على قرارات السوق الكبرى.
وبحسب دراسة من جامعة “بوسطن”، فإن هذه الشركات قادرة على التأثير على حوالي 40% من قدرة التصويت في الشركات المدرجة في مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” خلال العقدين المقبلين، ما يزيد من تركيز السلطة الاقتصادية في أيدي هذه الشركات.
كما كشف تقرير من “هيئة السلوك المالي” البريطانية عن وجود علاقة بين هذه الشركات وحالات التلاعب المالي، حيث قد تستغل هذه الشركات قوتها للتأثير على أسعار الأسهم لصالحها، مما يضر بالمستثمرين الأصغر والأقل خبرة.
أحد أبرز النقاط المثيرة للجدل هو أن هذه الشركات تتمتع بقدرة على شراء الأسهم بأسعار منخفضة في فترات الأزمات الاقتصادية، مثل الأزمة المالية العالمية وأزمة كورونا.
فهي تستطيع الصمود في فترات الركود المالي، حيث يتمكنون من شراء الأسهم بأسعار منخفضة والاستفادة من الانتعاش اللاحق، مما يضع الشركات الصغيرة والمستثمرين الأفراد في وضع غير مهيأ لمنافسة هذه الشركات الكبرى.
و رغم هذه التحديات، فإن شركات إدارة الأصول الكبرى قد بدأت بالفعل في طرح برامج جديدة للاستثمار، والتي تسمح للمستثمرين الأفراد بالمشاركة في اتخاذ قرارات الاستثمار.
ورغم ذلك، يبقى تأثير هذه البرامج محدودًا للغاية، حيث أن غالبية المستثمرين الصغار يثقون بآراء الشركات الكبرى بسبب الثقة التي يمنحها لهم مديرو الاستثمارات.
من الواضح أن الهيمنة المالية لهذه الشركات قد أدت إلى تحسين استقرار الأسواق في بعض الأحيان، لكنها في نفس الوقت أوجدت تحديات كبيرة للمستثمرين الأفراد، حيث أصبحوا في مواجهة مع اقتصاديات الحجم والمعلومات الحصرية التي تتمتع بها الشركات الكبرى.