الاقتصادية

أزمة العقارات الصينية تضغط على الأسر والاقتصاد وسط تباطؤ طويل الأمد

قررت فيكتوريا يو، المسؤولة بإحدى الشركات الصينية، سحب شقتها المعروضة للبيع هذا العام في مدينة “هيفاي” الصناعية، بعد ترددها في قبول خسارة تزيد عن 100 ألف دولار، رغم أن قيمتها الأولية عند الشراء قبل ثلاث سنوات بلغت 330 ألف دولار.

هذه الحادثة تعكس الضغوط التي تواجه مدخرات الأسر الصينية، التي اعتادت الاستثمار في العقارات كملاذ آمن، لكنها اليوم تتأثر بأزمة مستمرة في سوق العقارات كان يشكل ذروتها نحو ثلث الاقتصاد المحلي، منذ انهيار شركة “تشاينا إيفرجراند” تحت وطأة الديون.

وفي أحدث التطورات، أمرت المحكمة العليا في هونغ كونغ بتصفية شركة التطوير العقاري “تشاينا ساوث سيتي هولدينغز” بسبب فشلها في إحراز تقدم في إعادة هيكلتها، بينما تسعى شركة “كانتري جاردن” للتوصل إلى اتفاق مع دائنيها لشطب أكثر من 14 مليار دولار من الديون المستحقة.

أكد جاكسون تشان، المسؤول بمنصة أبحاث الأسواق “بوندسوبر مارت”، أن الأزمة أدت إلى تسريحات جماعية واسعة بين موظفي شركات التطوير العقاري المثقلة بالديون، كما شهد الباقون احتفاظًا بوظائفهم، تخفيضات كبيرة في رواتبهم، ما يزيد الضغوط على الأسر الصينية.

يشكل القطاع العقاري المتعثر عبئًا مباشرًا على الطبقة المتوسطة، التي يتركز جزء كبير من مدخراتها في منازل لا تستطيع استعادة قيمتها في الوقت الحالي.

و في هذا الإطار، تسعى السلطات في بكين لتخفيف القيود على شراء المنازل للحد من تفاقم الأزمة، في محاولة لدعم الطلب المحلي.

لمنع انهيار شركات العقارات الكبرى، تدخلت الحكومة لدعم الشركات المثقلة بالديون. على سبيل المثال، لجأت شركة “تشاينا فانكي” إلى المساهم الأكبر “شينزين مترو” المملوكة للدولة للحصول على قروض لتغطية التزامات ديونها البالغة 51 مليار دولار، رغم تسجيلها خسارة بقيمة 1.7 مليار دولار خلال النصف الأول من العام.

رحلة إيفرجراند .. من القمة إلى الهاوية

مراحل في مسيرة الشركة

التوضيح

الاكتتاب في 2009

تأسست “تشاينا إيفرجراند” – المتخصصة في الشقق السكنية- عام 1996، وتوسعت سريعًا مدفوعة منذ البداية بالاقتراض المكثف، حتى بلغ إجمالي التزاماتها 360 مليار دولار بنهاية 2021.
 

عندما طرحت “إيفرجراند”  – التي كانت أكبر شركة تطوير عقاري في الصين من حيث المبيعات – للاكتتاب العام في هونج كونج الذي شهد إقبالاً هائلاً عام 2009، كان سوق العقارات الصيني في أوج ازدهاره.
 

أوضحت الشركة في نشرة الاكتتاب: نحن من أبرز شركات تطوير العقارات السكنية المتكاملة واسعة النطاق في الصين، نمتلك احتياطيات من الأراضي تبلغ 45.8 مليون متر مربع من إجمالي المساحة قيد التطوير أو مخصصة للتطوير المستقبلي بمواقع استراتيجية في جميع أنحاء البلاد.
 

وعلى مدار تاريخها، استثمرت الشركة أيضًا في صناعة السيارات الكهربائية واشترت نادياً محلياً لكرة القدم.
 

أيقونة القطاع

كانت “إيفرجراند” نموذجًا بقطاع العقارات الصيني، ما ساهم في دفع مؤسسها “هوي كا يان” ليصبح واحدًا من أغنى رجال الأعمال في آسيا.

لكن تراجعت ثروته بعد ذلك مع انهيار شركته، من 45 مليار دولار تقريبًا في 2017، لتقل عن مليار دولار.

وتم تغريمه 6.5 مليون دولار في مارس 2024، وتم حظره من سوق رأس المال الصيني طوال حياته، بسبب اتهامات تشمل التلاعب بالسجلات المالية.

بداية الأزمة

في 2020، فرضت بكين قواعد للحد من إفراط المطورين العقاريين في الإقراض، في خطوة سببت تدهورًا حادًا في القطاع ودفعت العديد من الشركات لحافة الهاوية.

في مواجهة أزمة السيولة، جمد المطورون بناء مشاريع الإسكان في أنحاء البلاد، حينها لجأت الحكومة لاتخاذ تدابير – بدلاً من خطة إنقاذ شاملة – منها تخفيف قيود الشراء وتشجيع البنوك على زيادة الإقراض.

لكن واصلت أسعار المنازل في الصين التراجع رغم الإجراءات الداعمة.

دفعت الأزمة “إيفرجراند” لعرض عقاراتها بخصومات كبيرة لضمان تدفق الأموال اللازمة لاستمرار أعمالها، ونظرًا لصعوبة سداد فوائد الديون، سرعان ما تخلفت عن سداد بعض ديونها الخارجية.

دق ناقوس الخطر

في 2021، تخلفت “إيفرجراند” عن سداد أكثر من 300 مليار دولار، والتي شكلت شرارة انطلاق أزمة العقارات في الصين.

وفي 2022، تخلفت أيضًا الشركتان العقاريتان “كانتري جاردن” و”سوناك” عن سداد ديونهما.

تدني الأسعار

 بدأت أسعار العقارات في الانخفاض خلال 2022 وتوقف السوق العقاري تمامًا بعد سنوات من الطلب المتزايد، ليس فقط نتيجة للقيود على الإقراض، بل للتداعيات الاقتصادية لعمليات الإغلاق المرتبطة بجائحة “كوفيد-19″، وغيرها.

وبحلول أغسطس 2024، سجلت الصين أكبر تراجع سنوي في أسعار العقارات منذ تسع سنوات، إلى جانب ملايين الشقق غير المكتملة التي تركها المطورون المثقلون بالديون.

تعليق التداول في يناير 2024

بدأ تعليق التداول على سهم “إيفرجراند” في يناير 2024، عندما أمرت محكمة في هونج كونج الشركة المدرجة بالتصفية بعد سنوات من فشل محادثات إعادة الهيكلة.

وعند انهيار الشركة كان لديها حوالي 1300 مشروع قيد التطوير في 280 مدينة في أنحاء الصين.

وبلغت قيمتها السوقية عند تعليق تداول السهم 2.15 مليار دولار هونج كونج (275.3 مليون دولار)، بانخفاض عن ذروتها البالغة 398.8 مليار دولار  هونج كونج في 2017.

تحذير

 أعلنت بورصة هونج كونج مؤخرًا، أنها ستلغي إدراج “إيفرجراند” بعدما فشلت في الالتزام بالتوجيهات التي تقضي باستئناف تداول السهم في غضون 18 شهرًا.

وأصبح واضحًا أن عملية إجراء إصلاح شامل للشركة ستكون بعيدة المنال.

الشطب رسميًا

بعد أكثر من عقد ونصف من التداول، تم شطب سهم شركة التطوير العقاري الأكثر مديونية في العالم – بديون بلغت 300 مليار دولار – رسميًا من بورصة هونج كونج في الخامس والعشرين من أغسطس الجاري.

في خطوة تسدل الستار على شركة جسدت صعود وانهيار قطاع العقارات الصيني.

ويعكس شطب السهم رسميًا التفكك البطيء والمؤلم للقطاع، بعدما نجحت السياسات الحكومية في منع انهيار مفاجىء، لكنها سببت تباطؤًا حادًا.

رغم تباطؤ سوق الإسكان في ثاني أكبر اقتصاد عالمي، لم تحدث صدمة مدمرة وفورية، إلا أن أثرها ظل يضغط على الاقتصاد خلال السنوات الخمس الماضية، مع فشل بعض الشركات الصغيرة في الصمود، في حين تحاول الشركات الكبرى إعادة هيكلة أعمالها.

يشكل انهيار “إيفرجراند” علامة تحذيرية للقطاع العقاري، في وقت تواجه الصين توترات تجارية مع الولايات المتحدة تضغط على الاقتصاد.

و لتعويض أثر الأزمة، تركز الحكومة على الاستثمار في القطاعات التقنية مثل الذكاء الاصطناعي، أشباه الموصلات، والسيارات الكهربائية، في محاولة لسد الفجوة الاقتصادية الناجمة عن أزمة العقارات الطويلة. يبقى السؤال: هل ستنجح هذه التحولات في دعم الاقتصاد الصيني بما يكفي؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى