Bitget Banner
الاقتصادية

أزمة الأرز في اليابان..بين تراجع الإنتاج وسياسات حكومية تشكل تهديداً للأمن الغذائي

لا يكتفي اليابانيون باعتبار الأرز غذاءً يوميًا فحسب، بل ينظرون إليه كجزء لا يتجزأ من هويتهم الثقافية والاجتماعية والسياسية.

وعلى الرغم من تراجع استهلاكهم لهذه الحبوب الدبق التي تُعرف بـ«جوبونيكا» البيضوية، تُعدّ هذه الأخيرة رمزًا أساسيًا في موائدهم. إلا أن الأزمة الراهنة تنذر بتقلبات نادرة تضرب مخزون الأرز وتمتد تأثيراتها إلى السياسات الزراعية.

فمنذ صيف العام الماضي، شهدت أسعار الأرز ارتفاعًا حادًا يصل إلى الضعف، في ظل اختفاء تدريجي للحبوب من رفوف المتاجر. وتُعزى هذه الأزمة إلى:

شراء احترازي عقب تحذيرات من زلزال محتمل.

تزايد أعداد السياح وارتفاع معدل تناول الطعام خارجه.

صعود أسعار القمح عالميًا بسبب الحرب في أوكرانيا، ما دفع من يبحث عن بدائل إلى الأرز.

محصول ضعيف عام 2023 نتيجة موجات حرٍّ شديدة وانتشار الآفات.

وبحسب بيانات وزارة الزراعة، انخفضت الاحتياطيات التجارية من الأرز إلى 1.53 مليون طن، أي أقلّ بـ400 ألف طن مقارنةً بالعام السابق.

ليست العوامل السوقية وحدها وراء الأزمة؛ فالحكومة اليابانية اتبعت لسنوات سياسة تشجيع المزارعين على تقليص حقول الأرز وزراعة محاصيل بديلة، لمنع الفائض والمحافظة على استقرار الأسعار.

وهذا النهج، الذي استُهدف به ضبط السوق، تعرض لانتقادات من خبراء الأمن الغذائي، منهم كازوهيتو ياماشيتا من معهد كانون، الذي وصف السياسة بأنها “تضرب في الصميم مفهوم السيادة الغذائية”.

خلال ذروة الأزمة، أثار وزير الزراعة تاكو إيتو جدلًا كبيرًا بتصريحاته التي ألمح فيها إلى أنه لم يحتج سابقًا لشراء الأرز لأن أنصاره كانوا يهدونه منه، ما اعتُبر استفزازًا لشريحة واسعة من المواطنين.

وبعد اعتذاره، قدم إيتو استقالته تحت ضغوط رئيس الوزراء شيغيرو إيشيبا، قبيل انتخابات وطنية مرتقبة في يوليو. وتولى المنصب بعدها شينجيرو كويزومي، وزير البيئة السابق، الذي تعهد بإصلاح أخطاء سلسلة التوريد ومراجعة آليات التعاقد الحكومي.

تُشير تقارير اتحاد التعاونيات الزراعية اليابانية (JA) إلى أن 90% من احتياطيات الطوارئ لم تُطرح بعد في الأسواق، مما يثير الشكوك حول قدرات المطاحن أو نوايا بعض التجار الذين قد يضخمون الأسعار باحتجاز الكميات.

وردًا على ذلك، وعد كويزومي برفع القيود وزيادة المرونة في مبيعات الأرز الحكومية، لكبح جماح الأسعار.

في ظل ندرة الأرز المحلي وارتفاع أسعاره، لجأت سلاسل متاجر كبرى—من بينها “إيون”—لاستيراد أرز “كالروز” الأمريكي، وبيعه بسعر تقريبي يصل إلى 2,894 ين (حوالي 20 دولار) لكل 4 كغم، في محاولة لتوفير خيارات أكثر قدرة على التحمل للمستهلكين.

ترتبط أزمة الأرز بأزمة هيكلية في الزراعة اليابانية، حيث يبلغ متوسط عمر المزارع نحو 69 عامًا، وانخفض عددهم عام 2024 إلى 1.1 مليون، أي نصف العدد قبل عشرين عامًا.

وبدون خطة طويلة الأجل لتعزيز الإنتاج المحلي وضمان توازن بين السوق والأمن الغذائي، قد لا تكون أزمة الأرز الأخيرة، بل بوادر لاضطرابات قادمة في سلة الغذاء اليابانية.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى