ضرورة تعزيز التعليم المالي في المدارس لمواجهة تحديات الإنفاق الحديث

في ظل التطور الكبير في طرق الإنفاق التي أصبحت أسهل وأسرع من ذي قبل – سواء عبر بطاقات الائتمان أو أنظمة “اشترِ الآن وادفع لاحقًا” – يبرز الدور الحاسم للتعليم المالي المستمر والمناسب لتزويد الأفراد بالمعرفة الأساسية لإدارة أموالهم بذكاء.
من هذا المنطلق، تزداد أهمية دمج الثقافة المالية بشكل فعّال في المناهج الدراسية منذ المراحل التعليمية الأولى.
على الرغم من إدراج التعليم المالي في مناهج بعض الدول مثل المملكة المتحدة، إلا أن واقع الحال يشير إلى قصور في التأثير المطلوب.
فقد كشفت دراسة أجراها بنك “سانتاندير” على شريحة من الشباب بين 18 و21 عامًا أن ثلاثة أرباعهم لم يتلقوا تعليمًا ماليًا كافيًا خلال مسيرتهم الدراسية، حيث أقر 75% منهم بعدم وجود تعليم مالي فعلي في مدارسهم.
بدأت إدماج الثقافة المالية في مناهج المدارس الثانوية في إنجلترا قبل أكثر من عقد، وتبعها تطبيق تدريجي في ويلز منذ عام 2022، مع منح بعض المدارس حرية اختيارية لإدراج هذا المحتوى ضمن المواد غير الأساسية. غير أن التطبيق لم يصل بعد إلى مستوى يغطي جميع الطلاب بشكل شامل.
رغم شعور الشباب بالثقة تجاه معرفتهم المالية، إلا أن الدراسة أظهرت أن 79% منهم لم يقوموا بوضع ميزانية مالية، و77% لم يخصصوا أموالًا للطوارئ غير المتوقعة. هذا التناقض بين الثقة الذاتية وقلة الخبرة العملية يعرضهم لمخاطر مالية متزايدة.
تُشير نتائج البحث إلى أن حوالي 4 ملايين شاب في المملكة المتحدة قد أنهوا تعليمهم دون اكتساب مهارات أساسية في إدارة الأموال. وبذلك، يزداد القلق من أن المناهج الحالية لا تُعدّهم بشكل كافٍ لمواجهة الواقع المالي المعقد.
تشير الدراسة إلى وجود فجوة واضحة بين التعليم النظري في المدارس والمهارات العملية التي يحتاجها الشباب في حياتهم المالية اليومية، حيث يرى 87% منهم أن الدروس التي تلقوها لا تنطبق على وضعهم المالي الشخصي.
تتناول المناهج مواضيع محدودة فيما يتعلق بإدارة الديون، القروض الشخصية، أو حتى الأنظمة المالية الحديثة مثل “اشترِ الآن وادفع لاحقًا” التي باتت شائعة بين الشباب، مما يتركهم غير مستعدين لمواجهة هذه التحديات.
مع دخول الشباب في مرحلة الاستقلال المالي، يلجأ نحو ثلثهم إلى مؤثري وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر للمشورة المالية، وربعهم يستخدم منصة “تيك توك” لهذا الغرض، وهو ما يثير القلق من انتشار معلومات غير دقيقة أو مضللة.
يحذر “ويليام فيريكر”، رئيس بنك “سانتاندير” في المملكة المتحدة، من أن هذه الفجوة المعرفية قد تؤدي إلى اتخاذ قرارات مالية خاطئة، تؤثر على قدرة الشباب على إدارة أموالهم، البحث عن فرص العمل، وقد تمتد لتؤثر على صحتهم النفسية.
رغم مرور أكثر من عشر سنوات على إدخال التعليم المالي في المناهج البريطانية، لا يزال الشباب يغادرون المدارس غير مجهزين بشكل كاف لإدارة شؤونهم المالية بحكمة.
لذا يدعو بنك “سانتاندير” إلى تبني استراتيجيات تعليمية جديدة وفعالة تركز على إكساب الشباب المهارات العملية التي يحتاجونها لبناء مستقبل مالي مستقر.